في ضوء حرب غزّة، اجتهدت الماكينات الإعلاميّة في استخدام الصورة والمصطلح والفيديوهات وضخّ المعلومات غير المؤكّدة لتتحوّل حرباً إعلاميّة يكون الجمهور أوّل ضحاياها. وهنا يُطرح السؤال حول دور الإعلام في زمن النزاعات في الإسهام بالاستقرار في زمن اللاستقرار ومسؤوليّته في الأزمات خصوصاً عندما يعتمد البعض الصمت الإعلامي المُمَنْهج أو التغيّب الإستراتيجي المقصود، لسياسةٍ مركّزة تعتمد أجندات تضليليّة تدخل ضمن إطار الحرب النفسيّة من أجل خلقِ حالةٍ من الترقّب والقلق والخوف من المجهول باعتماد “التعميم للتعتيم” وتغييب بعض المعلومات المهمّة لفتح المجال العام للتحليلات والتنبؤات غير المبنيّة على ثوابت خبريّة، والتخويف من المجهول بهدف تعزيز مخاوف فرقاء النزاع لإثارة الرعب والترهيب، وبثّ القلق وزعزعة الإستقرار، وليصبح الصمت الإعلامي سلاح حرب وفناً فاعلاً من فنون الحرب النفسيّة والميدانيّة. عندها تضيع بوصلة الرصد والمتابعة، وينفتح المجال أمام احتمالات عدّة، ممّا يثير حالة من القلق الإعلامي ينعكس سلباً على الواقع السّياسي والإقتصادي والإجتماعي، ويؤثّر على معنويات الرأي العام الذي يصبح مشلولاً وغير قادرٍ على الصمود ومواجهة تداعيات الحرب.
وغالباً ما تُستخدم في المعركة أسلحة الإعلام والدعاية إلى جانب الأسلحة الكلاسيكيّة، لإبراز المعلومة الموظّفة والمسوّقة على أنّها حقيقةً سلاح للتفوّق على الآخر، وكثيراً ما يتمّ تغييب المعلومة الصحيحة والمؤكّدة لإثارةِ حالةٍ من القلق تدخل ضمن استراتيجيّةٍ ترسمها الوسيلة الإعلاميّة لمواجهة التطوّرات الميدانيّة والأمنيّة المفاجئة. وغالباً ما تتضارب المعلومات التي ينقلها إعلاميّون ومراسلون ميدانيّون لوسائلٍ مختلفة، ممّا يسبّب نوعاً من التشويش والفراغ في المعلومات عند الناس حيث تَغلُب حالةً من التضليل تؤثّر على صدقيّة الأخبار والصور المركّبة والشائعات الموظّفة.
والسؤال الذي يُطرح في هذا الوقت، من يحمي الناس من مخاطر “إعلام الصمت”، الذي يولّد حالةٍ من القلق، متى غابت التغطية الميدانيّة الملتزمة بالمعايير المهنيّة بنقل الحدث بأمانةٍ تامّةٍ؟
وإلى أي مدى يُمكن تحديد وظيفة الإعلام في زمن الأزمات ومسؤوليّته في التغطية الميدانيّة للأحداث ونقل المعلومة الصلبة والمؤكّدة، يترافق مع هذاالتساؤل المهني مدى قدرة الإعلام، وسيلةً وإعلاميين على التقيّد بالموجبات التي تفرضها عمليّات التغطية والمراسلة المباشرة، من مثل:
وضع استراتيجيّة إعلاميّة واضحة وهادفة للتغطية الميدانيّة، بالحرص على تقيّد المؤسّسة الإعلاميّة والإعلامي بالمعايير المهنيّة، بتغطية الحدث بأمانة وصدق وعدم الوقوع في فخ الكذب والفبركة والتضخيم وفتح الهواء للجميع،
والإطّلاع على أسباب النزاعات والمواكبة اللّحظيّة للتطوّرات الميدانيّة وعدم تغييب أي معلومات أساسيّة مرتبطة بالحدث وتداعياته،
وتصويب الآداء الإعلامي بالتوفيق بين تطوّرات الأحداث والمعلومات المتداولة في الواقع الميداني على ساحة المعركة، بما يخدم الاستراتيجيّة الوطنيّة ومستلزماتها العمليّة،
وعي الإعلام لتحدّيات المرحلة وأبعادها السّياسيّة والإقتصاديّة والوطنيّة، ولمسؤوليّته الإجتماعيّة ولضرورة نقل الخبر لحظة وقوعه وعدم تغييب أي معلومات مفيدة،
والحرص على استخدام المصطلحات الإعلاميّة المناسبة التي تتلاءم مع طبيعة الحدث منعاً لأي التباس قد يجعله عُرضةً للتأويل،
والتركيز على إبراز الإبعاد السّياسيّة والثقافيّة والإجتماعيّة للأحداث بمسؤوليّة وطنيّة، بحيث يكون العمل الإعلامي مساهماً كبيراً في إطفاء المعاني على الأحداث المتسارعة التي تمرّ بها منطقتنا،
وإبراز دور العامل الخارجي في تسعير الخلافات الداخليّة للتنبيه منه، وبما قد يقوم به لإثارة البلبلة والتشويش في المشهد الإعلامي، ما قد يسبّب حالةً من الإرباك عند الرأي العام ويجعله عُرضةً للإهتزاز.
والتنبّه لعدم تبنّي أي معلومات قد تكون مضلّلة أو مدسوسة قبل التأكّد من صحّتها ومراقبة صحّة الصورة وجزئيّات المعلومة قبل نشرها ، وتداولها بحيث تحمّل المراسل الميداني المسؤوليّة والدور الأكبر في تغطيّة الحدث ونقله حفاظاً على السلم والإستقرار الإجتماعي،
يجب ألّا ينقل الإعلامي قلقه إلى الجمهور حيث يصبح قلقاً عاماً يؤثّر على المعنويات وينال من صدقيّة المعلومة.
في زمن الحرب، يَحْمِلُ الإعلامي والوسيلة الإعلاميّة مسؤوليّة مهنيّة وأخلاقيّة ووطنيّة كبيرة، باعتبارهما شريكين في حماية المعلومة وتوفير جو من الإستقرار الإعلامي، بعيداً عن التوتّر وظروف الإضطراب. كما أنّ الصمت الإعلامي، غالباً ما يخلق حالةً من الإرباك الذي يولّد قلقاً سياسيّاً وإجتماعيّاً، ينعكس على الاقتصاد والتنمية والوضع العام وينال من العدالة والاستقرار الإجتماعي الذي يجب على الإعلام الحرص عليه وتأكيدِه وتوفيرِه للمستعلمين رغم دقّة وحراجة أي ظرف.
المصدر: النهار العربي
ليليان قربان عقل
دكتوراه في علوم الإعلام والإتصال