في أوروبا في آذار (مارس) 1988، وبينما كانت الحرب الباردة تلفظ أنفاسها والأميركيون يعدّون العدّة لما بعد العصر السوفياتي، كان في فرنسا وألمانيا من يفكّر بـ… الإعلام الثقافي.
مشروع قناة تلفزيونية ثقافية ألمانية ـــــ فرنسية وُضعت أسسه في اجتماع رسمي في ذلك العام، بمشاركة رؤساء الأقاليم الاتحادية الألمانية الـ 11 (ألمانيا الغربية) وممثلين عن الحكومة الفرنسية آنذاك. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1990، وقّعت ألمانيا الفدرالية وفرنسا اتفاقاً إعلامياً لتأسيس ما سُمّيAssociation Relative des Télévisions Européennes أو اختصاراً arte وهي قناة تلفزيونية مقرها ستراسبورغ. لم تؤثر التغيّرات السياسية الجذرية التي شهدتها أوروبا وتحديداً ألمانيا في تلك الفترة على عملية تأسيس المحطة ذات الطابع الثقافي والهوية الأوروبية. في 30 أيار (مايو) 1992 عند الساعة الخامسة بعد الظهر، انطلق بثّ arte أرضياً وفضائياً في فرنسا وألمانيا، وتألفت من شركَتَي La Sept الفرنسية arte Deutschland. ومنذ ذلك الحين، عملت المحطة تدريجاً على تطوير نفسها، والتوسّع فضائياً في أوروبا والعالم. ثم أضافت ملحقات شهرية وأطلقت موقعها الإلكتروني (1996). وفي عام 2000، استبدلت La Sept اسمها بـ arte France وبدأت بتقديم برمجة جديدة، وسهرات خاصة، وبرامج صباحية تبدأ عند الثامنة، وجددت موقعها، وأدخلت خدمة البث الحي… وها هي arte بعد عشرين عاماً على تأسيسها تؤكد أنها الشاشة الأوروبية الثقافية الأولى.
القناة التي تزامنت ولادتها مع اختلال التوازن السياسي والثقافي العالمي، نجحت خلال عشرين سنة في عدم الرضوخ لمنطق السوق وابتعدت عن الوصمة التجارية. هكذا، باتت ملجأ الهاربين من تسطيح وفوضى القنوات المعولمة. كما أسهمت في دعم الأعمال الفنية والسينمائية كجزء من رسالتها الثقافية. شاركت في
إنتاج نحو 500 فيلم سينمائي من مختلف أنحاء العالم. arte التي وحّدت الأوروبيين إعلامياً قبل أن يتوحّدوا عملياً تطفئ هذا العام شمعتها العشرين وعينها على مستقبل مليء بالتغيرات السريعة تقنياً، إعلامياً وثقافياً. «عشرون سنة، هي العبور الى جيل جديد… هي بداية عصر آخر» يعلن غوتفرايد لانغنشتاين رئيس المحطة في كلمة احتفالية موجّهة إلى المشاهدين، معلناً استعداد المحطة لكل التحديات المستقبلية.
منذ بداية الشهر الجاري، تحتفل arte بعيدها العشرين، وتستمرّ حتى كانون الأول (ديسمبر) المقبل. طيلة هذه الأسابيع، تعيد المحطة بث أبرز ما عرضته من أفلام وثائقية، وحفلات موسيقية، ومقابلات فنية، ومحطات سينمائية طبعت الحياة الثقافية والسياسية العامة خلال السنوات الماضية.
سينمائياً، تطلق ما سمّته «أول مهرجان سينمائي على التلفزيون» (من 22 تشرين الثاني/ نوفمبر حتى 5 كانون الأول/ ديسمبر). وتعرض يومياً مجموعة متنوعة من الأشرطة الطويلة والقصيرة لمخرجين عالميين. ومن بين تلك الأفلام 99 Francs لجان كونين، Septième Ciel لأندرياس دريسين، «سكّر بنات» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي و«فالس مع بشير» للإسرائيلي آري فولمان… على أن يصوّت زوّار الموقع الإلكتروني لفيلمهم المفضّل.
تلفزيونياً، تبثّ المحطة مجموعة من الأفلام الوثائقية التي تناولت أحداثاً عالمية كالمشي على سطح القمر، وسقوط جدار برلين، وشريط عن أوركسترا «بوينا فيستا» الشهيرة، وآخر حول بعض عملاء الـ«كي جي بي» والـ«شتازي» السريين، وصولاً إلى الحرب الأميركية على أفغانستان… إضافة إلى أفضل ما قدمه البرنامج الموسيقي «تراكس» منذ إطلاقه.
صباح أيوبالأخبار