نحن هنا أمام لبنان الازدواجيات والتناقضات والثنائيات: لبنان السلم أو لبنان الحرب. لبنان الحداثة أو لبنان الأصالة. لبنان الأخضر أو لبنان المحترق بدخان الإطارات المشتعلة. لكل مصوّر لبنانه الذي التقطه بعدسة الكاميرا من ماهر العطار، وبيار بارد، وبيار ضو إلى ألين مانوكيان، وجان مرعي، وباربرا مسعد…
ولعلّ القاسم المشترك بين المصوّرين هو ابتعادهم عن الصورة السياسية المباشرة، باستثناء الزميل هيثم الموسوي الذي عرض مجموعة من الصور تعود إلى معارك مخيّم نهر البارد… وأحداث 7 أيار (مايو) في بيروت، ومن احتفالات «حزب الله»…
جان مرعي مثلاً اختار تصوير لبنان من خلال… فنجان القهوة! هذا الأخير يراه مرعي من الأمور القليلة في لبنان «العابرة للطوائف والمناطق والمناسبات. هناك قهوة للأفراح وأخرى للتعزية وهي نفسها لدى جميع اللبنانيين». لكنّ مرعي نقل القهوة من الفنجان العربي ورشّها على ظهر امرأة في محاولة لتصوير عمليات التكوين (Genèse) والحرب، والاضطهاد الذي تتعرّض له المرأة في العالم العربي.
وإن كانت صور مرعي جديدةً، فالحال لا تنطبق على جميع المشاركين، إذ عرض بعضهم صوراً من زمن الحرب الأهلية اللبنانية، مثل ألين مانوكيان التي حاولت ـــــ في صورها بالأبيض والأسود ـــــ إظهار تناقضات الحرب بأشكالها كلها: مقاتل يحمل السلاح بيد، وبيده الأخرى يحمل قطّة صغيرة، صلته الوحيدة بما بقي من إنسانيته… كما سنشاهد في أعمال مانوكيان ثنائية الحياة والموت، تجسّدها صورة امرأة حيّة تحمل على يدها طفلها الميت!
وبالطبع، لم يخلُ المعرض من صور نمطية عن لبنان. بعض المصوّرين لجأ إلى الكليشيهات المعتمدة لدى الحديث عن لبنان فجاءت الأعمال أشبه ببطاقات بريدية احتلّت فيها الطبيعة المساحة المطلقة، كأنّنا بهم يقدّمون مفكّرة ريفية بصرية بعيداً عن التغيّرات التي طرأت على المجتمع اللبناني و… بيئته. مع ذلك، جاءت صور إيدي شويري أشبه بلوحات الانطباعيين حين صوّر انعكاس الأشجار والحقول والأنهر على المياه.