»مهرجان موسكو السينمائي«، أسوةً بالمنع السياسي الذي مارسه الاتحاد السوفياتي على بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة، وحرم شعوبها لعقود طويلة من أن تمارس اختيار أنظمتها السياسية بحرية. وإمعاناً بالقمع، لم يُسمَح لـ»مهرجان كارلوفي فاري« بالانعقاد سنوياً، على أن ينعقد مرّة واحدة كل سنتين متزامناً مع »مهرجان موسكو«.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انقمست جمهورية تشيكوسلوفاكيا إلى سلوفاكيا وتشيكيا، نتيجة طبيعية ضد الأسلوب التعسّفي للوحدة. طبعاً، تغلّب »مهرجان كارلوفي فاري« (بدأت دورته الأخيرة الأربعاء، وهي تستمر لغاية الثاني عشر من تموز الجاري في جمهورية تشيكيا) على قيود السياسة، وبات ينعقد سنوياً، شاهراً انحيازه لقيم الحرية والإبداع ليس سياسياً فحسب، بل فنياً أيضاً، إذ شهدت دوراته التي أقيمت بعد استقلال جمهورية تشيكيا حرية اختيار الأفلام، وقدّم مخرجون شبان غير مشهورين، كالسويدي بيورن رونج والروسي الكسندر رونموسخين والإسباني ميغويل البالاديوم. ونال فيلم المغامرات الايسلندي »جار سيتي« للمخرج بالتسار كوماكور جائزة أفضل فيلم في الدورة الثانية والأربعين بعد تنافسه عليها مع ١٤ فيلماً. واستثماراً للاستقلال السياسي والفني لتشيكيا، احتفى المهرجان في العام المنصرم بفيلم »الضياع« للأميركي توم ديسيليو، وهو من روّاد السينما المستقلّة في أميركا. وحلّت الممثلة الأميركية شارون ستون ضيفةً على المهرجان مع الممثلة النرويجية ليف أولمان.
٣٣٥ فيلماً
ارتبطت هذه المدينة باسم القيصر الروماني وملك تشيكيا كارل الرابع في العام ،١٣٩٧ واشتهرت مذ ذاك بمصحّاتها ومياهها الطبيعية وبمهرجاناتها المتنوعة، كمهرجان موتزارت الموسيقي ومهرجان الأغنية ومهرجان الموسيقى الشعبية، وهي تشتهر بالسياحة العلاجية. كما زارها كتاب وفنانون للراحة والاستجمام، وأُعجِب بها الكاتب الألماني غوته بسبب طبيعتها الخّلابة التي تثير الإلهام والإبداع المُشعّين من الشلالات والوداي المحيط بها. ثم إن مهرجان كارلوفي فاري السينمائي هذا يُضفي على المدينة هيبة الفن السابع وجماله.
إذاً، بدأت أيام الدورة الثالثة والأربعين أمس الجمعة، بمشاركة ٣٣٥ فيلماً، بينها ٥٦ فيلماً تعرض للمرّة الأولى أوروبياً ودولياً. ويتنافس أربعة عشر فيلماً على جائزة المهرحان، منها: »ليلة البوم« للتشيكي ميشيل بافلاتوفا و»كرامازوف« لبير سيلينيكا في »مسابقة الكريستال الدولية« مع أفلام من إيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وكرواتيا والدانمارك. وتشارك عشرة أفلام وثائقية طويلة وستة قصيرة (أقلّ من ٣٠ دقيقة) للحصول على جائزة أفضل فيلم. ويُكرّم المهرجان الممثل البريطاني كريستوفر لي، المعروف عالمياً بدور مصّاص الدماء أو دراكولا، والذي مثّل في أفلام عدّة كثلاثية »حرب النجوم« و»سيّد الخواتم«، وقدّم شخصية شرلوك هولمز وشقيقه. يُذكر أن لي سيتحدّث عن فيلمه المقبل مع كولن فاريل في العاشر من تموز الجاري، وتقديراً لعشقه مسرح الأوبرا، سيُقدّم محاضرة عن تأثير الموسيقى في إعداد الممثل. ويحلّ المخرج الأميركي ليس بلانك، أسطورة الأفلام الوثائقية الأميركية، ضيفاً على هذه الدورة: »إنه يصوّر تأثير ثقافات الشعوب في مسيرة الفن«، كما وصفه يوحنا روكويل في صحيفة »تايمز«.
من ناحية أخرى، يتولّى المخرج وكاتب السيناريو التشيكي ايفان باسر (شارك في كتابة سيناريوهات كثيرة لميلوش فورمان، كـ»عشّاق الشقراء«) رئاسة لجنة التحكيم، التي تضمّ الممثلة البريطانية بريندا بليتان والمخرج والسيناريست الإسرائيلي آري فولمان وتد هوب (منتج أميركي للأفلام المستقلّة) ويان ميشو (ملحن وناقد فني) وفيلموس سيغموند (مصوّر هنغاري).
(كارلوفي فاري)
علي بزاز- جريدة السفير 05.07.2008