بدا الأمن العام اللبناني مرتبكا حيال "منع" فيلم الرسوم المتحركة Persepolis للكاتبة الايرانية الفرنسية ماريان ساترابي، وقد اصدر الامن العام امس بيانات متضاربة في الموضوع، الى ان استقر بيانه الاخير على "تريث المديرية العامة باتخاذ قرار اجازة عرض الفيلم في لبنان للاسباب الآتية…".
ووزع الامن العام بيانا ظهرا جاء فيه "اتخذت المديرية العامة للامن العام قرارا بعدم عرض الفيلم في لبنان"، والحقته في الثانية والنصف بعد الظهر بالبيان الآتي:
"الرجاء عدم نشر التوضيح الصادر عن المديرية العامة للامن العام المتعلق بفيلم الرسوم المتحركة "برسيبوليس" من انتاج فرنسي، على ان نرسل اليكم بيانا لاحقا بالموضوع".
وفي الثالثة والنصف وزعت المديرية البيان الآخر وفيه:
"اثير في الأونة الاخيرة جدل متجدد حول دور المديرية العامة للامن العام والمهام التي تضطلع بها، ولا سيما لجهة عرض افلام اجنبية في لبنان ومسألة الاجازة او عدم الاجازة بعرضها ومنها فيلم الرسوم المتحركة (برسيبوليس) وهو فيلم من انتاج فرنسي يعرض للمرحلة التي عاشتها ايران في ظل حكم الشاه محمد رضا بهلوي قبل سقوطه وللمرحلة التي اعقبت سقوطه واعلان الثورة الاسلامية.
توضحا لما حصل تعلن المديرية العامة الآتي:
– تريثت المديرية العامة للامن العام باتخاذ قرار اجازة عرض الفيلم في لبنان للاسباب الآتية:
1 – تنفيذا للقوانين وانطباقا على الاجراءات المعتمدة التي تقول باحترام عواطف الجمهور وشعوره واجتناب ايقاظ النعرات العنصرية والدينية (الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من قانون الرقابة الصادر العام 1947).
2 – تطبيق المادة التاسعة من المرسوم الاشتراعي الرقم 2873 الصادر بتاريخ 16/12/1959 حول مراقبة المطبوعات والاشرطة السينمائية.
3 – لا صحة للاجتهادات والتفسيرات والمواقف المتكررة دائما حول خلفيات شخصية او سياسية او فئوية او مذهبية عند اتخاذ اي قرار بحق اي فيلم او مطبوعة لجهة السماح او المنع بل الالتزام باحكام القانون الموجود الى ان يتم ادخال تعديلات او تغييرات عليه او حتى الغائه وهذه مهمة المؤسسات المعنية من حكومة ومجلس نواب.
لهذه الاسباب وبعد قيام اصحاب العلاقة باثارة المسألة اعلاميا طلب وزير الداخلية والبلديات حسن السبع من المدير العام للامن العام توضيحا حول هذا الامر، وبعد اطلاعه على "التوضيح" قرر الوزير الموافقة على منح الاجازة لعرض الفيلم المذكور على الاراضي اللبنانية وفق القوانين المرعية الاجراء".
مواقف
الى ذلك استمرت المواقف المستنكرة للمنع فاستغرب الحزب التقدمي الاشتراكي "اقدام الامن العام على منع فيلم Persepolis لانه يتحدث عن يوميات فتاة ايرانية ابان الثورة الاسلامية في ايران"، مستغربا "الغباء الثقافي الذي يعطي لجهاز امني الحق في تقويم الاعمال الفنية والثقافية". ورأى ان هذه الخطوة "تعكس مواقع النفوذ التي تحاول بعض القوى فرضها على اللبنانيين"، متسائلا عما اذا كانت "مقدمة لتحويل بيروت الى ضاحية من ضواحي طهران، وخطوة اولى نحو جعل لبنان على صورة النموذج الايراني ومثاله في الحد من الحريات الشخصية وتطبيق طريقة حياة تعود الى القرون الوسطى وتتناقض مع التطور والتقدم والحداثة". وختم بتأكيد رفضه "الخضوع لكل اشكال الارهاب الفكري"، مجددا تمسكه بحرية التعبير وداعيا "للافراج الفوري عن الفيلم والسماح للشعب اللبناني بمشاهدته وعدم جر لبنان الى مغامرات لا تتلاءم مع مرتكزاته التاريخية في الديموقراطية وحرية الرأي، وهو ما لن يتم التنازل عنه لصالح رؤى وثقافات بائدة اكل عليها الدهر وشرب".
"مهارات"
بدورها، شددت جمعية "مهارات" على ضرورة حماية الحق في حرية الرأي والتعبير والنشر "التي تشمل حق الجمهور في الاطلاع على جميع الافكار والآراء، وحق الوصول الى المعلومات ونشرها من دون اعتبار للحدود الجغرافية او اي قيود اخرى صادرة عن الدولة تتعارض مع قيم المجتمعات الديموقراطية وعاداتها، والتي تشكل اطارا حرا لمناقشة كل الافكار والآراء والانتقادات التي يهم الجمهور الوصول اليها وتلقيها".
ولاحظت ان الامن العام "لم يعلل اسباب المنع، وتعود هذه الاسباب وفق ما افادنا مدير الانتاج في صالات امبير بسام عيد، الى ما يتضمنه الفيلم من انتقادات للنظام الايراني في الحقبة التي عاشت فيها الكاتبة في ايران والتجربة القاسية التي مرت فيها".
ويروي الفيلم الاحداث التي طبعت ايران خلال السبعينات من القرن الماضي وصولا الى قيام الجمهورية الاسلامية العام 1979. وتعرض الكاتبة لتحول ايران "جمهورية قائمة على الاستبداد يحكمها متشددون".
وانجزت ساترابي الفيلم بالتعاون مع فنسان بارونو، وهو يلقي الضوء على القمع الذي كان يمارس في عهد الشاه، وعلى حملات الدهم والاعتقال والاعدام التي حصلت اثر الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني.
وقد تعرضت ساترابي لمضايقات من السلطات الايرانية مما دفعها الى مغادرة بلادها الى النمسا ثم الى فرنسا. وعرضت الكاتبة من خلال الفيلم الصعوبات التي واجهتها في التأقلم مع ثقافة مختلفة.
ونددت الحكومة الايرانية بالفيلم واعتبرته "مناهضا للاسلام وايران"، الا ان الصالات الايرانية تعرض نسخة منه خضعت لمقص الرقابة.
جريدة النهار- 28/3/2008