تابع قداسة البابا فرنسيس سلسلة التعاليم في موضوع الرذائل والفضائل وتحدث صباح اليوم الأربعاء في مقابلته العامة مع المؤمنين عن رذيلتي الحسد والتكبر وذكّر بكلمات القديس بولس في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس “فإِنِّي بِالأَحرى أَفتَخِرُ راضِيًا بِحالاتِ ضُعْفي لِتَحِلَّ بي قُدرَةُ المَسيح”. وقد قرأ التعليم الأسبوعي اليوم الأربعاء المونسنيور فيليبّو تشامبانيلّي من أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان.
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس في الفاتيكان وتابع سلسلة التعاليم في موضوع الرذائل والفضائل وسلط الضوء اليوم في تعليمه الأسبوعي على رذيلتي الحسد والتكبّر، وتوقف بداية عند رذيلة الحسد لافتًا إلى أنه إذا قرأنا الكتاب المقدس فهي تبان كإحدى أقدم الرذائل: إن كراهية قايين إزاء هابيل قد تفجّرت حين لاحظ أن ذبائح أخيه ترضي الله. وأضاف الأب الأقدس أن وجه الحسود هو حزين دائما: ينظر إلى الأسفل، يبدو كأنه يتفحص الأرض باستمرار لكنه في الواقع لا يرى شيئا لأن عقله مغلّف بأفكار مليئة بالسوء. وإذا لم تتم السيطرة على الحسد فسيقود إلى كراهية الآخر. لقد قُتل هابيل على يد قايين الذي لم يستطع أن يتحمّل سعادة أخيه.
وأشار البابا فرنسيس في تعليمه الأسبوعي إلى أن في أساس الحسد علاقة كراهية وحب: نريد السوء للآخر، وفي الخفاء، نرغب أن نكون مثله. الآخر هو صورة عمّا نودّ أن نكون عليه، ولكن لسنا كذلك في الواقع. وأضاف الأب الأقدس أن هناك في أصل رذيلة الحسد فكرة خاطئة عن الله: لا يتم القبول بأن لدى الله “حسابات” مختلفة عن حساباتنا. فعلى سبيل المثال في مَثَل يسوع عن العملة الذين دعاهم سيدهم للذهاب إلى الكرم في ساعات مختلفة من اليوم، ظنّ الأوّلون أنهم يستحقون أجرًا أكبر من الذين وصلوا آخِرًا، لكن صاحب الكرم أعطى الجميع الأجر نفسه وقال ” أَلا يَجوزُ لي أَن أَتصرَّفَ بِمالي كما أَشاء؟ أَم عَينُكَ حَسودٌ لأَنِّي كريم؟ (متى ٢٠، ١٥). نريد أن نفرض على الله منطقنا الأناني، أضاف البابا فرنسيس، غير أن منطق الله هو المحبة. فالخيرات التي يعطينا إياها هي لمقاسمتها. ولهذا يحث القديس بولس المسيحيين قائلا: “لِيَوَدًّ بَعضُكم بَعضًا بمَحَبَّةٍ أَخَوِيَّة. تَنافَسوا في إِكرامِ بَعضِكُم لِبَعض” (روما ١٢، ١٠). هذا هو علاج الحسد!
وتوقف البابا فرنسيس من ثم في تعليمه الأسبوعي عند رذيلة التكبّر وأشار إلى أنها تسير جنبا إلى جنب مع رذيلة الحسد. إن هاتين الرذيلتين نجدهما في شخص يطمح لأن يكون مركز العالم، حرًا في استغلال كل شيء والجميع، وأن يكون موضوع كل مديح وكل حب. إن التكبّر هو تقدير للذات مبالغ فيه ولا أساس له. إن الشخص المتكبّر ليس لديه تعاطف ولا يدرك أن هناك أشخاصا آخرين غيره في العالم. إن علاقاته هي دائما نفعية. ويجب أن يُظهر شخصه وأعماله ونجاحاته للجميع. إنه يتسوّل الاهتمام دائما. وإن لم يتم الاعتراف بصفاته فإنه يغضب بشدة. وأشار البابا فرنسيس أنه لشفاء المتكبّر، لا يقترح المعلّمون الروحيون علاجات كثيرة، لأن شر التكبر علاجه فيه: فالمديح الذي كان الشخص المتكبر يتمنى الحصول عليه في العالم سينقلب ضده سريعا. كم من الأشخاص الذين خدعتهم صورة خاطئة عن أنفسهم سقطوا من ثم في خطايا سرعان ما خجلوا منها!
وفي ختام مقابلته العامة مع المؤمنين صباح اليوم الأربعاء، أشار البابا فرنسيس إلى أن التعليم الأجمل للتغلب على التكبّر نستطيع أن نجده في شهادة القديس بولس، مسلطا الضوء في هذا الصدد على كلماته في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس” فإِنِّي بِالأَحرى أَفتَخِرُ راضِيًا بِحالاتِ ضُعْفي لِتَحِلَّ بي قُدرَةُ المَسيح” (٢ قورنتس ١٢، ٩).
هذا ووجه قداسة البابا فرنسيس في ختام مقابلته العامة مع المؤمنين نداء أشار فيه إلى أنه تُصادف في الأول من آذار مارس القادم الذكرى الخامسة والعشرون لدخول حيز التنفيذ الاتفاقية حول حظر الألغام المضادة للأفراد التي لا تزال تصيب المدنيين الأبرياء، كما قال الأب الأقدس، وخصوصا الأطفال، وذلك أيضا بعد مرور سنوات كثيرة على نهاية الأعمال العدائية. وعبّر البابا فرنسيس عن قربه من الضحايا الكثيرين لهذه الألغام التي تذكّرنا بقساوة الحروب وبالثمن الذي يُجبر السكان المدنيون على تحمّله. وشكر قداسة البابا فرنسيس جميع الذين يقدّمون اسهامهم لمساعد الضحايا وتطهير المناطق الملوثة، وختم قائلا إن عملهم هو جواب ملموس على الدعوة الشاملة لنكون صانعي سلام ونعتني بإخوتنا وأخواتنا.