يبدو أن لا حظّ لاقتراح قانون الإعلام بأن يصبح قانوناً رسمياً، أو بالأحرى لا قرار ولا إرادة سياسية في إنتاج قانون عصري ومهني، حتى اللحظة.
أكثر من 13 عاماً، ولا تزال اقتراحات قوانين الإعلام تدور بين لجنة نيابية وأخرى، وضعت خلالها الكثير من التعديلات والإصلاحات، وإلى الآن، لا تزال كل هذه المواد حبراً على ورق.
أمس، لاح بعض “الخرق” في الأفق، إذ شكلت لجنة فرعية مصغرة لإعادة درس كل الملاحظات والتعديلات. صحيح أنها ليست اللجنة الاولى التي تشكلت في هذا السياق، إلا أنها ربما المرة الأولى التي تعاد فيها البوصلة الى آلية صحيحة من النقاشات، أو نوع من مسار صحيح وسليم، إذ ضمّت اللجنة النائب السابق غسان مخيبر، بصفته خبيراً مستقلاً، فمخيبر هو واضع الاقتراح الأساسي في هذا الصدد، وقدّمه عام 2010، بالتعاون مع مؤسسة “مهارات”.
منذئذٍ، تأرجح القانون من لجنة الى أخرى، حتى إنه في مرات عديدة، جرى “تجويفه” لئلّا نقول ” نسفه”. فالعديد من المواد أدخلت الى متن القانون، وحوّلته قانوناً يهدّد الصحافيين ولا يضمن حقوقهم ولا حرياتهم، إذ عادت عقوبة السجن الى النص، فيما كانت العقوبات تتركز فقط على الغرامات. وربما من حسن الحظ، أن كل هذه النقاشات لم تتبلور في قانون رسمي، ولم تصل الى الهيئة العامة لمجلس النواب، بل بقيت داخل جدران لجنة الإدارة والعدل.
ولعل إعادة البوصلة الى مسار النقاشات أتت بعد جهد الكثير من الصحافيين والتجمعات النقابية والجمعيات المدنية التي تُعنى بالحرية الإعلامية وحقوق المهنة. هذا الجهد تمثل أخيراً، بتوحيد العديد من الملاحظات أو الإصلاحات الأساسية، ورفعها الى وزارة الإعلام.
هكذا، حضر وزير الإعلام زياد مكاري أمس اجتماع لجنة الإدارة والعدل، بناءً على طلبه، وكان ثمة إصرار منه على “التوصّل الى قانون يجيب على هواجس الإعلاميين”.
في المرات السابقة، خلت نقاشات لجنة الإدارة من الاستماع الى آراء الخبراء في هذا المجال، وحتى الى رأي وزير الإعلام، والجهات النقابية المعنية وأهل الاختصاص. من هنا، كان تشكيل اللجنة الفرعية المصغرة عنصراً إيجابياً في المسار الجديد لقانون الإعلام الذي انطلق أمس، ويُفترض أن ينتهي في 8 آذار المقبل، ليكون أمام اللجنة مهلة شهرين، قبل رفع تقريرها الى لجنة الإدارة، وهي ستكون برئاسة النائب جورج عقيص.
تحدّيات ومحاذير
يعترف مخيبر بأن أمام اللجنة تحدّيات كثيرة. يقول لـ”النهار”: “اليوم ستعيد اللجنة قراءة ما وصل إليه اقتراح القانون مع التعديلات العديدة التي طرأت عليه، منذ الـ2010، ومع الاستفادة من الملاحظات التي جُمعت عند وزارة الإعلام على ضوء ملاحظات اليونيسكو وغيرها من الهيئات، التي لم يؤخذ بها، فضلاً عن نص الاقتراح الأصلي الذي لم يؤخذ به أيضاً”.
ويستدرك: “الى جانب كل ذلك، ثمة ثغرات، مثل مصير الإعلام الوطني أو الرسمي، إذ لا بد من التوقف عند دور تلفزيون لبنان والوكالة الوطنية، ولا بد من أن يحاكي القانون الجديد الإعلام الوطني الى جانب الإعلام الخاص أيضاً.
وهناك نقطة أضيفت وهي الهيئة الناظمة للإعلام، فماذا ستكون صلاحياتها؟ وأيّ دور لها أو أي علاقة لها مع وزارة الإعلام؟ كل هذه المحاور يُفترض بلورتها والاستماع الى كل ما نراه مناسباً للتوصّل الى تفاهمات والتوجّه نحو إقرار قانون يلبّي مصلحة الناس أولاً”.
هذا ما يشدّد عليه مخيبر: “مصلحة الناس، وليس مصلحة وسائل الإعلام أو السلطة، لأن الدور الحقيقي للإعلام هو تلبية حقوق الناس بالمعرفة وبإيصال المعلومة إليهم، وهذا ما ينبغي أن يراعيه قانون الإعلام أولاً. الكل يدرك أن معظم وسائل الإعلام مملوكة من أحزاب أو طوائف أو رؤوس أموال، ومن الطبيعي أن تكون لها مصالحها، من هنا، لا بدّ من أن يكون قانون الإعلام الجديد إطاراً قانونياً مناسباً يضمن حقوق الناس أولاً بالمعرفة والإعلام”.
يأسف مخيبر “لأن لجنة الإدارة كانت مقفلة، بنقاشاتها، في وجه وزارة الإعلام والخبراء. فوزير الإعلام حضر، أمس، بناءً على طلبه، وقد تمّ تعييني كخبير مستقلّ، بناءً على طلب الوزير، لعلّ هذا المسار التشاركي ينجح في أن ينتج نصّاً قانونياً أفضل، لأنه اعتقد أن آليّة النقاشات اليوم باتت آليّة أصحّ”.
ربما يذكر البعض أنه سبق لرئيس لجنة الإدارة النائب جورج عدوان أن أعلن انتهاء اللجنة من نقاشات قانون الإعلام، وأنه سيرفعه الى الهيئة العامة. وسريعاً، بانت اعتراضات الجمعيات المعنيّة على مسوّدة القانون، ووحّدت ملاحظاتها في الورقة التي رُفعت الى وزارة الإعلام. فعاد المسار التشريعي وتوقف لفترة. وانطلاقاً من معادلة منطقية تقول أنه لا يمكن التشريع وفق مصلحة أحد، نجح المسار التفاعلي في تغيير البوصلة. فهل ستكون النتيجة هذه المرة مرضية؟
لا يضمن مخيبر النتيجة التي قد تصل إليها اللجنة الفرعية، وعما إن كانت ستكون بالفعل مغايرة، بخلاصتها، عن عمل اللجان السابقة. يقول صراحة: “لا أضمن شيئاً، على ضوء التجربة أو التجارب السابقة. لكن ما هو إيجابي أن مسار العمل اليوم لا شك في أنه أفضل، والتفاعل الذي تمّ مع عدد كبير من الإعلاميين والمهنيين والرأي العام أيضاً يمكن أن يكون عاملاً مساعداً في إنتاج قانون جيد، لأن هذا التفاعل لم يكن موجوداً عام 2010، مما أدى الى التأخّر في إصدار القانون. ولا شك في أن تجمع عدداً من الصحافيين من أجل الضغط على إنتاج القانون يؤمن هذا التكامل المطلوب. لكن لهذا التفاعل أيضاً محاذيره، ويخشى أن ينجح بعض المعرقلين في عرقلة عمل اللجنة”.
كل هذه المحاذير يعيها جيداً مخيبر، يعلق: “كل هذه التحديات تحتّم إدارة واعية للجنة الفرعية لسير النقاشات، وأن تعمل بحرفية وبحكمة”.
إذن، عادت النقاشات مجدداً الى صلب قانون الإعلام… فهل ستنقذ اللجنة الفرعية ما عجزت عنه اللجان الأخرى، وتكون نتيجة عملها مهنية؟!
المصدر: النهار
الكاتب: منال شعيا