{mosimage}لم يكن ينقص اللبنانيين إلا الإعلانات عبر الرسائل القصيرة sms على هواتفهم الخليوية حتى يكتمل مسلسل إزعاجهم. فها انت، أينما كنت برفقة رفيقك الحميم أي هاتفك الخليوي، ثمة من يتبعك حتى وان لم تعط رقمك الشخصي الخاص الى أحد. انها الإعلانات عبر الرسائل القصيرة تزعجك في كل الأوقات لتعلن عن "صولد 50 في المئة في محلات كذا وكذا"…
"فنون" الإزعاج تبدأ في لبنان من خلال برامج التسويق عبر الهاتف، أو ما يعرف
بـ Tele – marketing. يرن هاتفك الخليوي، تجيب، فتسمع صوتا انثويا يبدأ بالحديث ولا يتوقف: "سيد فلان، معك فلانة من شركة كذا. اسمح لي ان آخذ من وقتك بضع دقائق لأخبرك عن كذا وكذا الذي تسوقه شركتنا…" ومهما حاولت ان تستمهلها لتقول لها انك في اجتماع أو منهمك في عمل معيّن وان لا وقت لديك، فان المتحدثة لن تتوقف قبل ان تفرغ ما في جعبتها من كلام حفظته عن ظهر قلب وتردده يوميا مئات المرات.
والطريف في الموضوع ان عددا لا يستهان به من "الجمعيات" ولد فجأة من رحم هذا النظام التسويقي، فإذا بنا نتلقى بطريقة شبه يومية اتصالات من جمعيات تنتحل أسماء مسيحية واسلامية وانسانية وخيرية وتصر الى حد الإزعاج على ان تبيع المتلقي مجموعة أقراص مدمجة أو أي بضاعة أخرى بما توازي قيمتها 20 دولارا أميركيا.
وبسبب كثرة التهافت على هذه الأساليب، "ضاع الصالح بعزا الطالح" كما يقول المثل اللبناني بالعامية، فاختلط الأمر على المواطنين الذين لم يعد بامكانهم التمييز بين الجمعيات الخيرية الحقيقية والجمعيات "منتحلة الصفة" والتي وراءها من يسعى الى تحقيق ربح مادي متسترا بعباءة الجمعية الخيرية أو الدينية.
وإذا كان التسويق "مقبولا" على الهاتف العادي في المنزل أو حتى العمل، فانه لا يعود مقبولا على الإطلاق متى أصبحت الشركات أو "الجمعيات" تتصل بالمواطنين على هواتفهم الخليوية الخاصة، نظرا الى ما يسبب الأمر من إزعاج يتخطى القدرة على الاحتمال.
أما آخر الابتكارات في عالم "الازعاج" فهو الإعلانات التي تستعمل الرسائل القصيرة sms عبر الهواتف الخليوية، فهي لا ترحم أحداً وتلاحق كل مواطن في أوقاته الخاصة وتقلق راحته وترهق أعصابه حتى ما بعد منتصف الليل أحيانا، وذلك بسبب الضغط على المشغلين، مما يؤدي في أوقات كثيرة الى تأخر وصول الرسائل حتى ساعات متأخرة من الليل.
وثمة أسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال، وأولها حول احترام الخصوصية الشخصية لكل فرد في لبنان وبأي حق يتم توزيع أسماء وأرقام المشتركين في شبكتي الهاتف الخليوي لتستعملها الشركات التجارية في أساليب الإعلانات عبر الـ sms؟ وهل يمكن إدراج الأمر ضمن سياق طبيعي أم ان ثمة جوانب غير قانونية في هذا الموضوع تنتج من خرق الخصوصية الشخصية؟
450 دولارا ثمن رسالة لكل المشتركين
لدى اتصالنا بشركة MTC أفدنا بانه يمكن أي معلن ان يطلب إرسال رسالة قصيرة sms للمشتركين، ويمكن ان يطلب تحديد المشتركين ضمن نطاق منطقة معينة كجبل لبنان او بيروت او البقاع او الشمال او يمكنه طلب شمل أكثر من منطقة في رسالة واحدة. أما الكلفة فقليلة نسبيا إذ تبلغ كلفة إرسال رسالة قصيرة الى جميع المشتركين في لبنان 450 دولارا أميركيا فقط لا غير.
تخيّلوا ان كل الإزعاج الذي تسببه الرسائل القصيرة لغالبية حاملي الأجهزة الخليوية لا تكبد المعلن أكثر من 450 دولاراً، فشركة الخليوي تعتبر ان المردود من هذه الإعلانات يشكل ربحا صافيا، وبالتالي فانه كلما تزيد هذه الإعلانات كلما يزيد الربح الصافي.
يشدد كريم صيقلي الاستشاري في التسويق والاتصالات عبر الانترنت على ان "هذه الاعلانات، ان لم يطلبها المواطن أو يوافق على وصولها الى هاتفه الخليوي الخاص تعتبر انتهاكا للخصوصية الشخصية التي يجب حمايتها الى أقصى الدرجات. وفي الدول المتحضرة هناك ما يعرف بـ Opt – in، في هذه الحالة يقبل المشترك ان يتلقى الاعلانات على جهازه الخليوي في مقابل بدل مادي مباشر يتقاضاه عن كمية الاعلانات التي تصله أو عبر إشراكه في سحوبات وهدايا. في غياب هذا المقابل لا يمكن الاستمرار في التعدي على خصوصية الأفراد كما يحصل في لبنان".
ويسأل صيقلي: "أين هي مصلحة حماية المستهلك في هذا الموضوع؟ ومن يتأكد من مضمون الاعلانات التي يتم إرسالها عبر الرسائل القصيرة sms؟ لذلك يجب أولا حماية الخصوصية الشخصية لمستخدمي الأجهزة الخليوية ولو كان ذلك على حساب الأرباح الإضافية التي تحققها الشركتان اللتان لا يحق لهما استعمال قاعدة الأرقام والمعلومات التي في حوزتهما لاستخدامها لأهداف إعلانية على حساب خصوصية المشترك في الشبكة، وثانيا يجب ضبط مضمون الرسائل التي قد تكون مجافية للحقيقة في أحيان كثيرة".
طوني أبي نجم
(tony.abinajem@annahar.com.lb)
نهار الشباب 19.03.2009