نقرة واحدة ستكون كفيلة اليوم بتعريف الأطفال الناطقين بالفرنسية على «تي في 5موند بلوس»، قناة التلفزيون التي تبث على الإنترنت والتي عينت هدفاً واضحاً لها: الأطفال والشباب من عمر الثالثة إلى الثانية عشرة.
مع إطلاق القناة اليوم، سيعيش أطفال دول أوروبا غير الناطقة بالفرنسية وأفريقيا وأميركا اللاتينية والعالم العربي أيضاً تجربة تفاعلية، تعطيهم إمكانية أن يقرروا ماذا يشاهدون ومتى، وتمكنهم أيضاً من تحديد برمجة خاصة بهم من دون الالتزام بمواعيد البث المقررة، عبر تقديم مروحة برامج خاصة وضعتها القناة بين أيدي المتصفحين – المشاهدين الصغار (وأهاليهم أيضاً)، فيها إضافة إلى الكرتون، برامج مسابقات وأخرى تعليمية تفاعلية باللغة الفرنسية، وفقرات مخصصة للنفاذ إلى كواليس العمل التلفزيوني واستوديوهات تنفيذ الرسوم المتحركة.
قطعت اليوم محطة «تي في 5«، وهي واحدة من ثلاث محطات رائدة عالمياً، شوطاً نحو الذهاب بالتلفزيون إلى بعد آخر يتميز بتفاعلية لطالما بشّر بها الانترنت. كما لو ان التلفزيون بدأ شيئاً فشيئاً يتخلى عن مقاومته لمد الشبكة العنكبوتية، فيطوعها لخدمته عوض ان يحاربها على اعتبارها تهديداً له. إذ خصصت القناة مجموعة برامج لا يمكن مشاهدتها على شاشة «تي في5» العادية، معتمداً خاصية القصر وسهولة التحميل. هذا عدا عن سهولة تصفح موقع القناة وحضور الألوان الجذابة التي لا تحضر في موقع المحطة الأم كرمى للمتفرجين – المتصفحين الصغار.
في خطوة «تي في 5« يصبح هناك فارق شاسع بين المضمون الذي تقدمه العديد من المواقع العربية التابعة لقنوات تلفزيونية تتوجه إلى الأطفال مثل «براعم» و«الجزيرة للأطفال» وغيرها. فهذه الأخيرة وبرغم جاذبيتها والجهد المبذول في تصميمها، تبقى ملتزمة بصيغة تبدو «قديمة» أمام إغراء التفاعل، كونها لم تتخفف بعد من فكرة حضور التلفزيون على الانترنت فقط عبر موقع رسمي فيه بعض الشرائط المحملة على طريقة «الفيديوكاست» أو «البودكاست» والأخبار المكتوبة والألعاب البسيطة. هنا، يبدو ان «تي في 5« تخوض التجربة معوّلة على جيل تعلم انه بات من رواد الشبكة العنكبوتية منذ نعومة أظافره، ومتطلب لجهة حاجته إلى وجود منبر يلبي شغفه بكل ما هو تفاعلي ويبتعد عن كل ما هو موضوع في قالب جامد. وبطبيعة الحال، لا يبدو عبثاً أن تنطلق القناة اليوم وقد انتقت الأطفال دون غيرهم لخوض التجربة، ربما بصفتهم الأكثر تطلبا من ناحية البهرجة الصورية وحساسية المضمون، الأكثر مغامرة وقدرة على التأقلم..
هي تجربة سوف تبرز أكثر عملياً كل كل ما قيل عن مزاج المشاهد المتغير بين جيل وآخر، والتعارض الصارخ بين تعزيز فردانية الطفل عبر منحه الخيارات من جهة وتعويده وإدخاله في منظومة استهلاكية من جهة أخرى.
وللمفارقة، لا يمكن هنا تجاهل أن عدداً من القنوات التلفزيونية المخصصة للأطفال قبل عمر المدرسة قد لاقت انتقادات لاذعة في فرنسا على اعتبار انها تكرس نمطاً استهلاكياً عند الطفل، خصوصاً عند عرضها اعلانات المواد الغذائية واللعب وغيرها. هي نقاط ستكون محل نقاش بكل تأكيد في القناة الوليدة على الموقع، تضاف إليها هذه المرة مسألة التحول من الشاشة العادية إلى شاشة الانترنت.
إذاً، بنقرات قليلة سنتعرف اليوم أكثر على الحلة التي اختارتها «تي في5 موند بلوس» لنفسها، إلا ان التنبه إلى ضرورة تحديث القناة وعصرنتها لم يكن بالبساطة نفسها، فقد تطلب الأمر في العام الماضي مثلاً تسعة أشهر من المفاوضات الصعبة بين فرنسا والحكومات الشريكة في محطة «تي في5» (كندا وسويسرا وبلجيكا)، كي تبقى القناة فرنكوفونية متعددة البرامج ولها استقلالية تحريرية، خصوصاَ بعد المخاوف التي أثارها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع إعلانه عن خطته المتعلقة بالإعلام الفرنسي الخارجي وما رافقها من جدل لا يزال دائراً حتى اليوم. لكن يبدو ان رؤية المديرة العامة ماري كريستين ساراغوس التي أكدت عند تعيينها عدم إدارة ظهرها للامكانيات الكثيرة التي تقدمها التكنولوجيا الحديثة سواء لجهة تطوير المحتوى ليتناسب مع الانترنت أو الهاتف النقال، قد بدأت تأخذ حيز التنفيذ.
هي خلاصة واحدة بدأت تفرض نفسها. سواء قرر التلفزيون ان يعتمد مبدأ البث عبر الانترنت لضمان التفاعلية والخيارات الكثيرة، أو سواء استقدم خيارات الانترنت ليقدمها على شاشات المشاهدين في بيوتهم، لم تعد منافسة ألعاب «النينتاندو» و«بلاي ستايشن» وغيرها بعيدة المنال عن قنوات تحاول ان تضمن تجربة مشاهدة مبنية على المشاركة والخيارات اللامحدودة.. واللعب أيضاً.
مايسة عواد- جريدة السفير 23.06.2009