الحبّ ، طاقة تحمل السعادة بشرط أن يكون تحت خيمة الله ، أمّا إزاحة الله ، أي عندما يطرد الإنسان من فردوس العلاقة معه ، يسودُ كلّ شيء ، فيفقد مالَه وما ليس له ، وتستقر العدوانيّة بينه وبين العالم ، بينه وبين المرأة ، وبينه بين نفسه ، يفقد حتّى قلبه ، إنها لعنة الحبّ الأصليّ ؟
لكن ، ما هو الحبّ الأصليّ هذا ؟
إنه الحبّ النابع من الحاجة إلى الإكتمال ، من الشعور بنقص ” الضلع ” (تكوين 2 ) . والقصص التي تحكي عن الإتصال الحميم الأوّل ، وعن الإنفصال الأوّل قصص عريقة منتشرة شرقا وغربا . أشهرها قصّة المأدبة لأفلاطون : يقولُ فيها أنّ الرجل والمرأة كانا قطعة واحدة في الأصل تحت شكل دائريّ – والدائرة رمز الكمال – تقول هذه الأسطورة أنّ الرغبة بالحبّ قادمة من ذكرى هذه الوحدة الأصليّة الكاملة ، إنها العودة والرغبة بتكميل نقص عميق . فحسب هذه الأسطورة ، إذا ما سارت الأمور و ” تدحرجَت ” على هذه الأرض كما يرام ، لا يحتاج الإنسان ، في هذه الحالة ، إلى حبّ ولا إلى البحث عن الآخر . هنا لا يوجد عطاء ولا يوجد أخذ ولا تضحية من أجل الحبّ .
الكاتب اليهويّ ، رغم عودته إلى قصّة ” الضلع ” السومريّة القديمة ؛ يتميّز عن هذه الأساطير الشعبيّة التي تقول ، إن رغبة الرجل بالمرأة هي نتيجة ” الثنائيّة والإنفصال ” ، وأن هذا قد حدث بشكل ٍ مقصود ومحتوم ، وأنه جزء من ” مأساة ” الوجود ؛ فالإنسان في عرفِها دائمًا ضحيّة للأقدار (كما تقول ) ، وبما أنّ الحبّ ينتج عنه مصائبْ عديدة ، فالحبّ مأساة ، والأفضل على الإنسان لو لمْ يحبّ ، وأن الفصل بين الجنسين كان سيّئا وناتجــــًا عن حسد الآلهة وغيرتها على البشر .
لكن ، الكتاب المقدّس ، لا يعتبرُ الدعوة إلى الحبّ نتيجة ” قرار إعتباطيّ ” غامض قادم من إله ٍ مجهول مختف ٍ في عزلته ( فإله المسيحيّة والوحي ، هو إله ثالوث – علاقة ) ، بالعكس ، فهو معروف لإنه خلق الإنسان على صورته ومثاله ، ” ذكرًا وانثى خلقهما ” أي أنه وضع فيهما ” سرّه ” هو ، سرّ اختلافه المحيّر ، سرّ الدهشة الطفوليّة .
أختلاف الجنسين إذن ، جزءٌ مكمّل لطبيعة الإنسان قبل سقطته : إنه ذكرٌ وأنثى ” بعكس الله ، ” فليس صالحًا أن يبقى الرجل وحده ” (تك 2 : 18 ) ، فيلقي الله على آدم ” سباتا ” وهو بهذا يكمّل عمل اليوم السادس ، الناقص ، لإن المرأة جزء إيجابيّ من الخلق .
أخذ ” الضلع ” إذن ، قرار سعيد ، لكنّه يخضعُ لقانون الطبيعة والحكمة ، والرغبة التي في آدم ليست ناتجة عن ” العمليّة الجراحيّة ” إنها ناتجة عن محاولة حلّ لرغبة كامنة فيه ، كجزء منه لأنه مجرّد خليقة .
يتحوّل آدم من حياة ” نعسانة ” بدون حبّ .. إلى حياة امتنان دائم للمصير القادم إليه (تك 2 : 22 – 23 ) . قال أحدُ الشعراء : المرأة مستقبل الرجل .
فنومُ آدم ، هو الشلل والغيبوبة التي يخلقها التعب واليأس والقلق ( أش 29 : 10 ، أي 4 : 13 ، ومز 76 : 7 ) . آدم يجهل الحبّ ، ولذلك نراه يغوص في نوم ٍ قاتل لطاقاته ، فعندما لا يعيشُ المرء للآخر ، لهدف من أجل الآخر ، يبقى نائمـــًا ، ولا يستيقظ إلا عندما يعتبره هدية من الله . لقد كان المسكين (آدم – الرجل – أيّ رجل ٍ ) ، قد حاول فعلا ً أن يجد البدليل في الخلائق ، لكنّه لم يتوفّق ، وفجأة يكتشفها ويلتقي بها . لقد عرف ما كان ينقصه ، أنها بالضبط مقاسه حاجته ورغبته .
سنرى لاحقا
الرمزيّة والتعليم الذي في هذه القصّة المدراشيّة .. وسنرى ما معنى ” الترك ” الذي يريده وأراده يسوع عندما قال : يترك الرجل أباه وأمّه ….. ” الموضوع ممتع ويستحقّ القراءة ، وسترون أنه ليس موضوعًا فلسفيّا ولاهوتيّا صعبًا .. فكونوا معنا دائمًا .
بقلم عدي توما / زينيت