شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | 2.2 مليار مسيحي في العالم : إنّها لمسؤولية كبيرة!
2.2 مليار مسيحي في العالم : إنّها لمسؤولية كبيرة!

2.2 مليار مسيحي في العالم : إنّها لمسؤولية كبيرة!

يحتلّ المسيحيون المرتبة الأولى من بين المجموعات الدينية في العالم مع 2.2 مليار مسيحي. وقد صدر تقرير في 18 ديسمبر 2012 يبيّن حجم المجموعات الدينية وتوزّعها حول العالم

في العام 2010، وقد نظّم هذا التقرير مركز بيو للدراسات المتمركز في الأمم المتحدة.

تتطرّأ هذه الدراسة الديموغرافية إلى أرقام التوزّع الجغرافي ومتوسط العمر لثماني مجموعات دينية كبيرة ومن بينها من لا يتبع أي فئة دينية. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأرقام لا تقيس درجة ممارسة الإيمان ولا مدى عمقه.

ترتكز هذه الدراسة على تحليل أجري على أكثر من 230 بلداً وعلى معطيات صادرة عن أكثر من 2500 إحصاءات سكانية وطنية، كما ترتكز على عمليات مسح واسعة النطاق وعلى وثائق رسمية تمّ جمعها وتقييمها وتوحيدها من قبل خبراء الديموغرافيا في مركز بيو للدراسات.

من الجدير بالذكر أنّ هذه الدراسة تفترض أنّ أكثر من 8 أشخاص من بين 10 أشخاص ينتمون إلى مجموعة دينية أي حوالى 5.8 مليارات من الكبار والأطفال يمثّلون 84% من بين 6.9 مليارات من السكان في العالم في العام 2010.

ويحتلّ المسيحيون المرتبة الأولى مع 2.2 مليار ليأتي في المرتبة الثانية المسلمون مع 1.6 مليار ويتبعهم الهندوس مع مليار واحد والبوذيون مع 500 مليون واليهود مع 14 مليون وغيرهم من المجموعات الدينية…

بالإضافة إلى ذلك، تظهر الدراسة أنّ نصف المسيحيين ينتمون إلى الطائفة الكاثوليكية بينما ينتمي 37% منهم إلى التقليد البروتستاني و12% ينتمون إلى الطائفة الأورثوذكسية ليبقى 1% من الأشخاص التابعين لتقاليد أخرى ويعتبرون أنفسهم مسيحيين (الساينتولوجي والمورمون وشهود يهوه…).  

تبيّن الدراسة أيضاً أنّ المسيحية الواسعة الإنتشار جغرافياً قد ابتعدت عن جذورها التاريخية ففي الواقع، أغلبية المسيحيين أي 99% يعيشون خارج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويعيش اليوم العدد الأكبر من المسيحيين أي 26% في أوروبا و24% في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي و24% في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كما يعيش 13% في آسيا والمحيط الهادئ و12% في أمريكا الشمالية.

في المجمل، يعتبر المسيحيون الأكبر سناً إذ يبلغ متوسط عمرهم 30 عاماً في حين يبلغ متوسط عمر سكان العالم 28 عاماً. ومن بين المناطق الستة التي تمّت دراستها، يعتبر المسحيون أصغر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مع متوسط عمر يبلغ 19 عاماً وفي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي مع متوسط عمر يبلغ 27 عاماً وفي آسيا والمجيط الهادئ مع متوسط عمر يبلغ 28 عاماً وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع متوسط عمر يبلغ 29 عاماً وفي أمريكا الشمالية مع متوسط عمر يبلغ 39 عاماً. تتضمّن أوروبا أكبر متوسط عمر من المسيحية الذي يبلغ 42 عاماً.

وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أنّ مركز بيو للدراسات قد ذكر أنّه قد يتمّ إصدار معطيات جديدة حول هذا الموضوع خلال السنوات المقبلة. 

زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
الجمهورية : الأب داريو… حبيس وادي قنوبين: أسرار وشهادات (2/2)

الجمهورية : الأب داريو… حبيس وادي قنوبين: أسرار وشهادات (2/2)

رحلتي إلى وادي قنّوبين كانت بحثاً عن محابس مغمورة مقدّسة أضاف إليها نسّاك لبنان وقدّيسوه قداسة وصفاءً وصلابة، واستحضروا إليها روح الله وجعلوها مسكناً لهم، وهي ليست شبيهة بمحابس العالم

على حدّ قول الحبيس داريو الذي جزم أنّه لا وجود للنسّاك الحقيقيّين أو للاستحباس الفعليّ سوى في لبنان وفي واديه المقدّس.
غادرت بيروت لأصِل الى دير مار انطونيوس قزحيا نحو الثانية عشرة ظهراً، لعلمي أن الاب جوزف سليمان الذي عايش الاب داريو في «فترة» الابتداء قد سأله مقابلتي، ولكني شعرت بالقلق حين حذرني من خطورة الوصول في مثل هذا الوقت الى المحبسة.

وبعد جولة استكشافية في الدير الذي انتسب اليه الاب الحبيس داريو، تأكدت من انّ الوقت تأخر وكان يجب المجيء باكراً لأن رحلة العودة قد تكون طويلة ومتعبة، بالإضافة الى الضباب واصوات الضباع والخنازير التي من الممكن ان تنشط عصرا وفي بداية المساء، كما قال الاب سليمان.

قصدت مكتبة الدير وفوجئت بمجموعة من الفتية لم تتمكن من مقابلة الحبيس مع انهم طرقوا بابه طويلا وهم مصرون على العودة دائما. لكنه في كل مرة يكون في حالة انخطاف من شدة الصلاة، فلا يفتح لهم الباب ولا يقابلهم.

عدت في الصباح التالي باكرا. رحلة الحج الى المحبسة ليست بالامر السهل. فـ حوقا بالسريانية تعني الدرج، وهي فعلا كذلك اذ انها تقع في منطقة وعرة جدا في وادي قنوبين، وتحديدا دير سيدة حوقا المعلق بين السماء والارض حيث تستحيل الاقامة.

وقد يحتار المرء في تفسير طريقة تشييد الدير في قلب ذلك الجرف الصخري الشاهق من وادي قنوبين الذي لا يمكن الوصول اليه الّا مشياً.

وللدير شرفة مطلة تصل اليها بعد 16 درجة، ويمكن الدخول اليه عبر باب خشبي عتيق تحت قنطرة من الحجر. اما هذه الطبقة فهي تضم كنائس صغيرة لا تتجاوز الواحدة خمسة امتار.

أوّل بَشري التقيته في هذه الرحلة كان الشاب الفرنسي Vincent منسق "كتاب الشرق". وقد كان يلهث من شدة التعب، لأنه يحاول للمرة الثالثة مقابلة الحبيس. ويروي انه في المرة الاولى امضى فترة بعد الظهر ينتظره و"لم يفتح باب المحبسة. اما اليوم وبعد انقضاء ثلاث ساعات فوجىء بهامة بيضاء تشبه القديس شربل تخرج من جحر مع "شوال" على كتفها فهرع اليه…".

شروط الاستقبال هي عدم المكوث طويلا وعدم طرح الكثير من الاسئلة. ولا يحب ان يجلب له احد شيئاً "لأني سأرميه في الوادي لتأكله الحيوانات وتتنعّم".

لا يتكلم الاب داريو العربية لكنه يفهم بعض الكلمات: "مع السلامة" "اهلا وسهلا"، وهو يجيد الفرنسية والانكليزية والاسبانية.

هو بعيد عن وسائل الاتصال ووسائل الاعلام، وهو يؤمن بوعد الاله فقط، وعده للبشرية القائل: اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم.

سألته ماذا تفعل هنا؟ اصحيح انك تشفي البشر؟

اجاب: ليس أنا من يشفي، انما يسوع هو الشافي. كلامه ووعده هما الشافيان.

لمَ يقصدك المؤمنون اذاً؟

اجاب: يجيء الكثير من الاشخاص الذين يضعون صورا لهم ولمعاقين ولخطأة وصورا للبنان، ويطلبون مني الصلاة فأصلي على نيتهم.

وعدد كبير من النساء يقصدنه بغية الحصول على نعمة الحمل. فيطلبن منه الصلاة، ويعدن ليشكرنه على النعمة.

– اتعتقد ان صلواتك هي من اعطتهم هذه النعمة؟

يجيب الاب داريو: ليس من الضروري ان تكون صلاتي هي من اعطتهم النعم. ربما تكون صلاتهم او صلاة مؤمن من اقربائهم قد تكون اكثر فعالية من صلاتي. ولكني بالطبع صليت وتشفعت لهم عند السيدة العذراء ويسوع ومار شربل، ولكن هذا لا يكفي، لأنهم اذا لم يتسلحوا بالايمان وبجوهر طاهر فلن ينالوا ما يطلبون. المسيح قال اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم. من يسأل ينل ولكن بقلب صاف وبإيمان مطلق.

اما عن الانجاب فيقول الاب داريو: انها قصة مختلفة وليست كأثاث منزل يقرر الانسان الزمان المناسب له لفرشه. الانجاب هو هدية من الله وليس حقا مكتسبا للمرء.

لا يمكن للانسان ان يقول: اريد ان انجب طفلا، ليس هو من يريد. فالله وحده قادر على هكذا عطية. سر الانجاب هو عطية من الله، ويلزم الانسان الكثير من الصلاة والتوبة كي يستحق هذه العطية السامية. يمكن للمرء ان يكون مؤمنا وان يصلي كثيرا، فالصلاة تصنع المستحيل، ولكنه ليس بالضرورة ان يحصل على نعمة الانجاب لأن للرب مفهوماً مغايراً لمفهوم البشر، وربما وجد ان هذا المؤمن وبالرغم من إيمانه وصلاته، ليس مهيئا بعد، ولم يحن الوقت لأن يكون أباً، او يرى الرب انه ربما لو تمّت نعمة الانجاب سيترتب عنها ظروف اشد خطورة على حياته ومستقبله.

ولذلك، ارتأى الله ان يبقي هذا الانسان على حاله… ويرجىء استجابة طلبه حتى تحين الساعة المثلى… لمنطق الرب مفهوم لا يمكن للبشر فهمه… الا اذا ذابت انفسهم في كيان الله.

يتابع الحبيس: "اذا تجوّلت حول المغارة وجدت الملايين من قصيصات الاوراق، وكلها صلوات لملايين الاشخاص الذين اتوا وصلوا فيها، وهذه الاوراق تخبر قصصهم ودعواتهم وطلباتهم. قابلت القليل منهم، اما العدد الاكبر فلم اقابله، لأن اوقات فراغي قليلة".

سألته: كيف تكون قليلة وانت تقيم وحيداً منذ اكثر من عشر سنوات في هذه المغارة بمفردك. ألا تكفيك بضع ساعات للصلاة وتخصّص بضعاً من الساعات الأخرى لمقابلة المؤمنين؟.

اجاب الحبيس وقد عَلت على ثغره ابتسامة طفولية زادت وجهه اشراقاً وعينيه بريقاً: "من يعشق الاخر يسعى الى ان يختلي به دائما"، كما يلزمني الكثير من التخلّي عن الذات ومزاولة الاعمال النسكية كي اتحِد بالرب. فأنا لا ارغب بالكلام ولا اقيم في محبستي جلسات اجتماعية، بل ابغي التعمّق بكلمة الله وليس بكلام البشر. ولكني لا اخفي انني، وفي الساعة التي كرّستها من يومي لتنظيف المغارة، ألتقطُ بعض الاوراق اذا كانت مكتوبة بالاجنبية واقرأ البعض منها واصلي على نيّة طالبيها، طبعا هذا لا يعني انني لا اصلي للذين يكتبون بلغات اخرى.

يضيف ان كتاب "قاديشا" يروي في احد فصوله عن سيرة حياته. ويقول فيه ان امرأة جاءت من فرنسا ودخلت اليه اثناء تأديته للصلاة في المغارة الصغيرة المعتمة، وحين جلست بقربه أحسّت بشعور غير طبيعي وبقدرة عجيبة لمستها من الداخل: "لا ادري اذا ما كان الذي كتب في هذا الكتاب هو حقيقي"، يعلّق الاب داريو واصفاً كيف وضع يداه على رأسها وباركها وصلّى على نيتها.

وكشف انه سيصلي اليوم صلاة خاصة لامرأة قصدته من البرازيل لأن لديها مشكلة معقدة، وهو سيبدأ الصلاة بعد قليل على نيّتها. (لا ادري اذا كان هذا الاعلان قد وَجههه للانسحاب والكف عن طرح الاسئلة)

سألته: ماذا تفعل خلال الـ 24 ساعة بمفردك؟ الا تخاف؟

قال: "الشيطان يتسلّى بي، احيانا يزعجني فقط لكنه لا يردعني عن متابعة صلواتي. فهو يفتح الابواب ويغلقها بقسوة اثناء صلاتي، لكنه جبان وليس قادرا سوى على الازعاج فقط. اما القدرة على التغيير فهي ملك للرب وحده".

وهنا كشف الحبيس كوع ثوبه الممزق قائلاً انه أمس وأثناء اهتمامه بالزرع والحقول زَلّت رجله وهوى في الوادي ولا يدري كيف وُجِد حبل لم يره من قبل، تمسّك به وخَلّص من الموت الاكيد. وبرأي الاب داريو ان الشيطان اوقع به، لكن الله كالعادة كان موجودا لحمايته. فقلت له اخبرني حادثة أثّرت فيك واعدك بعدها انني سأغادر المكان "هاي وخَلَص".

ضحك الحبيس من قلبه وربّت على كتفي قائلا: حسناً، سيكون لك ما تريدين شرط ان تعودي يوماً وتخبريني ماذا تغيّر في حياتك بعد هذا اللقاء.

شفاء ماريو الياس

ولمّا اجبته بالموافقة، قال: طبيب من العاصمة بيروت، وهو من عائلة "الياس" يعاين في مستشفيات مهمة في العاصمة، قصدني برفقة ولده "ماريو الياس" المصاب بالسرطان، وكان الاطباء قد عجزوا عن شفائه، وعزم على المجيء عندما سمع عن النعَم التي نالها بعض من معارفه الذين قصدوا المكان.

فقال لي: اريد منك ان تصلي لأجل ولدي "ماريو" الذي اعطاه الاطباء أياماً قليلة فقط للبقاء على قيد الحياة، ولكن الطبيب عاد بعد فترة وجيزة ليقول لي ان ولده قد شفي تماما من المرض، وهو غير مصدّق حتى الآن بعدما كانت الفحوصات قد اكدت أنه لن يعيش اكثر من اسابيع، وقد جاء برفقه ماريو ليشكرني ويطلب البركة مجددا.

أحقاً يمكنك صنع العجائب؟ أتطمح للقداسة؟

ضحك الحبيس مجددا واحتضنني بمحبة قائلا: انت ايضا يمكنك ان تكوني قديسة.

أيمزح النساك ايضا يا أبت؟

استوى الحبيس في جلسته وقد غابت الضحكة فجأة وحلّ مكانها سكون معبّر، وقال: "ليس من الضروري ان تكون صلاتي هي التي شفت ماريو الياس، وليس من الضروري ان تكون صلاة والده! وربما تكون!! وربما يكون رفيق مؤمن صلّى لـ ماريو من قلبه واستجاب الرب لصلواته. فالصلاة يا ابنتي تصنع العجائب".

اما بالنسبة للقداسة فأقول انه لا يلزمنا القيام بأعمال غير اعتيادية او غير طبيعية حتى نكون قديسين. يمكن لأي انسان ان يكون قديساً من خلال تأديته لكل واجباته اليومية بفرح وتفان وصدق ومحبة. فيتقدس يومه ويقدس كل من هو حوله.

المطلوب فقط هو "الارادة". ان يكون لنا ارادة من حديد، والرجاء الذي يطلبه الله من البشر كي يواجهوا الصعاب والامراض غير المتوقعة. والصلاة العميقة يمكنها ان تغيّر المسار والمصير.

ويتابع الحبيس قصصاً كثيرة حصلت وهي مشابهة لقصة الشاب ماريو، وقد نال جميع اصحابها بركة الشفاء ونعمته. ويكشف انه يتساءل احيانا لماذا ترك كل ما يملك ليجيء الى لبنان بغية الاستحباس مع انه كان استاذا في الجامعة ويملك والده مصنع ثلج واموالاً كافية للعيش بالنعيم والترف؟ ولكنه تعرّف الى سيرة القديس شربل وكلّمه يسوع في احد الليالي على حد قوله وطلب منه المجيء الى لبنان لأنّ رسالته هناك… وهكذا كان، وهو اليوم راض ويعيش سلاما داخليا لا يبادله بثروة العالم كلها.

ويضيف الاب داريو: "في هذه المغارة اريد ان ابقى وأموت". لا وجود للنساك الّا في لبنان، على حد قوله، وفي هذا الوادي تحديدا. وهو يستحبس في مغارة سيدة حوقا منذ 12 عاما. ويوجد فقط 3 حبساء على خطى القديس شربل، وهم: الاب يوحنا خوند والحبيس انطون ليشع والاب داريو.

ويخبر عن النساك في استراليا مثلا، وقد قابل احدهم ولاحظ انه يذهب الى المجمعات التجارية للتسوّق، وهذا ما لا يفعله النساك في لبنان مثلا.

كلمة أخيرة قالها الاب داريو: قصدتني امرأة تائبة وقالت لي ان اصلي لها كي ترتدع عن فعل الخطيئة، وان اساعدها على نَيل نعمة الغفران وأباركها فتحلّ عليها نعمة التوبة، وكان لها ما ارادت، الّا انها عادت بعد مدة وقالت لي شكرا يا أبت. ولمّا استوضحتها قالت انها تعرضت لحادث خطير كاد ان يودي بحياتها، وظلت ممدّدة على فراش المستشفى مدة اشهر.

واكثر ما أثر فيّ من هذه السيدة انها استوعبت رسالة الرب، فقالت لي: "لقد ارادني ان اتوقف عن فعل الخطيئة. صحيح انه عرّضني لحادث يؤلم الجسد، ولكنه أراده رسالة ليعيق تحركي ويوقف استمراري عن فعل الخطيئة، اذ انه علم انّ ألم الجسد اخف وطأة على الانسان من الم النفس والروح. لقد خلّص الرب نفسي من خلال هذا الحادث.

وتبسّم الحبيس قبل ان يقف استعدادا لتوديعي، وقال: "انّ فعل المحبة الذي تجسّد في ردة فعل هذه المرأة سيكفل لها غفران الرب والذهاب حتماً الى حضن الآب. فعلينا قراءة مصائبنا انطلاقا من هذا المثل، لأنه لو لم تتعرض هذه المرأة لهذا الحادث الخطير لربما كانت تنتظرها مصائب أقسى واشد ايلاماً".

وقفتُ حائرة ولم يكن لديّ رغبة في ترك المكان، فقلت له ماذا تريدني ان احضر لك في المرة القادمة؟ أتفضّل الحلويات او شيئاً آخر؟

اجاب لا شيء فقط "عودي". لا تحضري شيئا وإلّا سأرميه للحيوانات فتسَرّ به. وهي دائما مسرورة. تصوّري انها لا تشبع. حتى انها تأكل زرعي واحيانا لا اجد شيئا من الحصاد، ولكنني لا أحزن لأنني أعلم انّ الرب يخبىء لي غذاء أشهى وأطيب… وهو غذاء الروح.

 
بقلم مرلين وهبه 

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
لبنان : البابا ولبنان منذ اقدم العصور إلى اليوم [2 من 2]

لبنان : البابا ولبنان منذ اقدم العصور إلى اليوم [2 من 2]

ما ان حل العام 1991، حتى وجد مسيحيو لبنان أنفسهم وحيدين في وجه العاصفة: أميركا نفضت يدها بعد حاجتها لسوريا في حرب الكويت، وفرنسا فقدت نفوذها مع هزيمة عون في تشرين الاول 1990

بعد التدخل العسكري السوري ولم يبق في الغرب سوى البابا يوحنا بولس الثاني لدعم وجود المسيحيين في لبنان والشرق.
بين سقوط بعبدا في تشرين الاول 1990 وبدء تحرك الفاتيكان، كان ثمة بضعة أسابيع فقط. فقد عملت وفود الفاتيكان طيلة الاشهر الاولى من 1991 على خطة انقاذ في الداخل المسيحي ونضجت في 12 حزيران 1991، عندما دعا البابا الى سينودوس من أجل لبنان. كان الفاتيكان يحاول وقف التدهور المسيحي، ويرى أن الانحدار الديموغرافي والهجرة قد أصبحا حقيقة، وأن رسالتهم في المشرق حادت عن هدفها الاساسي عندما أصبح صراع رجال السياسة على السلطة سببا في أن يقتل بعضهم البعض، وأن عليهم ان يتوقفوا عن التصرف او التفكير بأنهم أقلية تقاتل من اجل وجودها وينخرطوا في عمل بنّاء في بيئتهم.
كانت رسالة البابا الى مسيحيي لبنان ان يأخذوا أمورهم بيدهم ويكونوا أقوياء، بدل القبول الصامت بالانحدار، وكان هذا الامر في غاية الاهمية للفاتيكان، حيث توصلت قيادته الى استنتاج فحواه أن انهيار المسيحية في لبنان سيؤدي الى دومينو تراجع المسيحية في سائر المشرق، وخسارة مهد المسيحية الروحي والجغرافي الذي تمثله الكنائس الشرقية بالنسبة لروما، والى فقدان رباط عاصمة الكثلكة مع موطن المسيح. المثير ان الفاتيكان كان يطلب من المسيحيين العودة الى جذورهم المشرقية وأن يفيدوا من الثروة الروحية للكنائس القديمة في الشرق التي كانت مهد عقيدتنا فكان موقف الفاتيكان انقلابا تاريخيا. ولأول مرة في تاريخ روما، اعترف المجمع الفاتيكاني الثاني بخصوصية الهوية الطقسية للكنائس المشرقية التي تعتمد النظام البطريركي والروحانية الانطاكية والتنسك في رسالتها، وكانت تجسيدا للنفسية المسيحية الأولى"، وتم اعتماد ناموس قانون الكنائس الشرقية للعام 1990.
جال مبعوثو البابا في لبنان لحضّ المسيحيين على البقاء في ارضهم، وزار سلفستريني قرى صور وصيدا. وانسجاما مع سياسته تجاه الدولة اللبنانية، نصح الفاتيكان المسيحيين العام 1992 بالتخلي عن مقاطعتها عندما كان الاحباط يترجم انسحابا للمسيحيين من الحياة السياسية اللبنانية ومقاطعة الانتخابات، ما عمق الانحسار المسيحي. وحذر من ان عدم مشاركتهم في الدولة سيؤدي الى تراجع مكانتهم في مؤسساتها وغياب تمثيلهم في الادارة العامة، مما يؤدي حكما الى ضرب اسس التعايش اللبناني. وهذا ما قاله سلفستريني بشكل صارم في اجتماع مع مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك في بكركي، وان غاية السينودس، هي للتفاهم والمصالحة وليس المقاطعة والتشدد. وان على المسيحيين التوقف عن البكاء على الاطلال والعيش في الماضي وذكرياته.
شكل السينودس ساعة الحقيقة بالنسبة لمسيحيي لبنان ومستقبلهم في المشرق، فانعقد في روما في 27 تشرين الثاني 1995 لمدة ثلاثة اسابيع، بعد 4 سنوات من التحضير، بحضور 120 شخصا: سبعة بطاركة و11 كاردينالا و21 رئيس اساقفة و17 مطرانا و10 رؤساء ومسؤولي رهبانيات و17 خبيرا باختصاصات عدة ومساعدي امين عام السينودس، و25 رجال دين مسيحيين وراهبات وممثل لمجلس كنائس الشرق الاوسط و8 مبعوثين من كنائس غير كاثوليكية وديانات اخرى: 5 من كنائس ارثوذكسية و3 من طوائف مسلمة. جاؤوا من لبنان طبعا، ولكن ايضا من سورية والعراق (بطريرك الكلدان روفائيل الاول بيداويد) وفلسطين ومصر، ما جعل السينودس من اجل لبنان سينودسا من اجل مسيحيي المشرق كافة. وانعقدت اجتماعات خاصة حضرها كل الكاردينالات والمطارنة الكاثوليك في الفاتيكان باشراف البابا نفسه لمناقشة مستقبل لبنان وكنائسه.
وتلت هذا السينودس زيارة البابا الى لبنان في 10 – 11 ايار 1997 وهي الاولى الى بلد عربي، حيث كانت فحوى رسالته الاصرار على اللبنانيين مسلمين ومسيحيين للتطلع الى ما يجمعهم والعمل معا لخلق بلد جديد مبني على التفاهم والاحترام المبتادل.

البابا في بيروت
كان مسيحيو لبنان يعولون على زيارة البابا، وباتت المقارنة بين زيارته لبلده الاصلي بولندا وتحريرها من الهيمنة السوفياتية وبين زيارته للبنان وتحريره من هيمنة سوريا مسألة تطرح في الاوساط المسيحية. فيما دعا بعض المسيحيين الى التعامل الواقعي مع الزيارة فعلق فؤاد بطرس: "قال لي البابا العام 1979" بلدكم لبنان يذكرني ببولندا"، ولكن ما حصل في بولندا من قلب الطاولة على موسكو كان تدخلا كبيرا من المخابرات الاميركية والادارة الأميركية في التحول التاريخي في بولندا. وجاءت زيارة البابا هناك كعامل مساعد زاد من سرعة التحول على المستوى الشعبي. وهذا الدور الاميركي ليس مطروحا اليوم في لبنان".
عندما وصل البابا الى مطار بيروت ووطأ ارض المطار قال "في خطى المسيح" ثم قبل حفنة تراب ذاكرا بأنها تراب لبنان المقدس. وكانت الحكومة اللبنانية قلقة ان ينتقد البابا الدولة اللبنانية لانها تهمش المسيحيين ولا تحترم حقوق الانسان والحريات العامة، كما فعل في بولندا،  وخاصة بعد تصريحه للصحافيين: "انا آت الى لبنان، لبنان السيد". فمُنعت مظاهر تحدي الدولة التي كان رأس الحربة فيها التيار العوني، كرفع لافتات تنادي "حرية، سيادة، استقلال". ومع ذلك لم يُمنع ظهور صور ميشال عون وسمير جعجع في الطرق التي مر بها البابا وفي ساحة الشهداء. وكلف الجيش بتأمين الحماية للبابا ففرّغ لهذه المهمة عشرون ألف جندي توّلوا تنظيم الحشود الضخمة التي خاطبها البابا في بيروت وحريصا.
أول الحشود التي استقبلت البابا لم تكن مسيحية، بل من أطفال ضاحية بيروت الجنوبية وأغلبهم من الشيعة، حيث وقفوا صفوفاً طويلة على الطرق المؤدية من المطار الى قصر بعبدا، يلوحون بالعلم اللبناني وعلم الفاتيكان الأصفر. ثم التقى البابا حشداً ضم 50 الف شاب مسيحي في كاتدرائية سيدة حريصا وأمام هذا الحشد وقع وثيقة الارشاد الرسولي من 194 صفحة عنوانها رجاء جديد للبنان. ودعا الشبيبة الى اعتناق هذا الارشاد كرسالة تجديد للكنيسة وللبنان: "ابنوا جسوراً جديدة من التواصل بين صفوف الشعب ومع العائلات والجماعات. بادوار بخطوات تعيد اللحمة مع الآخرين وتحول الريبة الى ثقة. وأول خطوة تتمنونها لبلدكم يجب أن تكون تغيير ما في القلوب. لا تنسوا هويتكم المسيحية، إنها مجدكم ورجاؤكم ورسالتكم".
أما الحدث الأكبر فكان القداس في الهواء الطلق في وسط بيروت، الذي نظمته الكنيسة. وفيما توقع المنظمون ان لا يزيد عدد الحضور عن 150 ألفاً كانت المفاجأة الكبرى حضور أكثر من 550 الفاً، ما اعتبر أكبر حشد في تاريخ لبنان حتى تلك السنة. من جونيه حتى مرفأ بيروت، كان ثمة 100 الف شخص يملأون الطرق. ولم يصدق البطريرك صفير والمطارنة ما رأوا: الكنيسة ما زالت بخير ومسيحيو لبنان ما زالوا قادرين على الحشد بأرقام كبيرة. وكانت المرة الاولى منذ نهاية الحرب التي يستيقظ فيها المسيحيون ويعبرون عن مشاعرهم علناً، وحضر القداس كل بطاركة الكنائس الشرقية كتعبير عن الوثاق الذي يربط روما بالشرق.
ورحّب البطريرك صفير بالبابا واصفاً الزيارة بأنها "البلسم لجراحنا"، وقارن زيارة البابا بزيارة المسيح لصيدا قبل ألفي عام، واستعاد صفير دعم البابا للبنان خلال حربه الطويلة والسعي لاقناع الدول الكبرى بمساعدة لبنان وجهده الشخصي المتواصل منذ 1978 ما أفسح المجال أمام المسيحيين للتقرب من بعضهم البعض، وسمح لكل اللبنانيين بأن يتحاوروا على المسائل التي تجمعهم. وشدّد البابا في كلمته على محبته ومحبة الكنيسة الكاثوليكية لبنان وكل اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، ووجه "تحية خاصة الى القادة المسلمين والدروز". واضاف: "نريد من العالم أن يعرف أهمية لبنان ورسالته التاريخية. لعدة قرون برهن هذا البلد ان جماعات متعددة تقدر أن تعيش معاً بسلام واخوة وتعاون، وأن احترام الحرية الدينية لكل فرد هي ممكنة وأن جميع المواطنين موحّدون في اخلاصهم ومحافظتهم على تراث أجدادهم الروحي، وخاصة تراث الراهب مار مارون".
وشدد البابا على التراث المسيحي الضارب في القدم في لبنان، وهنأ اللبنانيين بأن المسيح بشرهم بالمسيحية بنفسه اثناء كرازته التي أوصلته الى جنوب لبنان، وهذا ما اعتبره البابا "امتيازاً فوق العادة ان يكون لبنان من بين الأوطان الاولى في العالم التي قطنها مسيحيون، وأن يكون لبنان جزءاً من الارض المقدسة، أرض الانجيل، من صور الى صيدا وجنوب لبنان حيث يتعذّب الشعب اللبناني هناك اليوم… إن آلامكم في السنوات السابقة لن تذهب هباء، بل ستقوّي وحدتكم وحريتكم… وعلى لبنان أن يصبح ديموقراطياً أكثر باستقلالية أكبر لمؤسساته وباعتراف لحدوده، وهذه شروط ضرورية لضمان وجوده كدولة".
كانت الزيارة ومعها الارشاد الرسولي قمة تدخل الفاتيكان وأن ثمة اشياء يقدر الفاتيكان ان يقوم بها لاجل مسيحيي لبنان. لقد كرم البابا البطريرك صفير كما لم يفعل مع كاهن كاثوليكي من قبل. فكان صفير معه في كل ساعة من الزيارة وفي سيارته المكشوفة والى جانبه في كل اللقاءات العامة والقداديس، كما ان البابا سلم صفير شخصيا في حريصا نص الارشاد الرسولي وعانقه.
شرح الارشاد الرسولي ان هوية لبنان السياسية تتميز بجذور دينية، فان مصير المسيحيين في الشرق مرتبط بمصير لبنان ورسالته المحددة تجاه محيطه. ولكن مصير لبنان لا يتحمل مسؤوليته المسيحيون وحدهم بل المسلمون ايضا، كـ"شركاء في اعادة بناء البلد" في بيئة واحدة "تحترم التقاليد الدينية والثقافية" لابنائها"، وضرورة ان يحافظ المسيحيون على التوازن مع المسلمين حتى يمكن ان يكون الحوار معهم على قدم المساواة، على الاقل في لبنان. والهجرة تهدد الوجود المسيحي وتجعل هذا النوع من التوازن غير ممكن. ولم يكن البابا يريد ان يكون الغرب نموذجاً لمسيحيي لبنان كي يحفظوا هويتهم الدينية، ومن المهم جدا "على لبنان المنفتح على كل الحضارات والافكار التي تظهر في العالم، ان لا يدع نفسه يستسلم لرياح العلمنة الغربية وان يحافظ على تراثه الروحي الانطاكي".
حسمت زيارة البابا العام 1997 بعض الخلافات حول هوية لبنان. فها هي اعلى سلطة كنسية في العالم تريد التزاما مسيحيا في موضوع الانتماء الى العرب، وتريد من المسلمين توكيداً على نهائية لبنان في اذهانهم. ويمكن لزيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر نفس الوقع الايجابي في استعادة اجواء الثقة والحوار للبنان.
 
الدكتور كمال ديب (أستاذ جامعي لبناني / كندا)
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
لبنان : البرفسور ميشال سبع : إنطاكيّون أوّلاً (2/2)

لبنان : البرفسور ميشال سبع : إنطاكيّون أوّلاً (2/2)

إنّ القانون السادس من قوانين المجمع الأوّل المسكوني المقدّس القائل: «فلتحفظ العوائد القديمة في مصر وليبية والخمس المدن بأن تكون سلطة أسقف الإسكندرية على هذه جميعها، وكذلك ليحفظ التقدم

… للكنائس التي في إنطاكية وفي سائر الأبرشيّات» والقانون الثاني للمجمع الثاني المسكوني المقدّس … «بأنّه لا يتداخل الأساقفة في أمور الكنائس التي هي خارج حدودهم».

«… إنّ الكنيسة الإنطاكيّة ليست أبرشية تابعة للكرسي القسطنطيني ولغيره، بل هي كنيسة مؤسّسة من هام الرسل أنفسهم ومستقلة في إدارتها الداخليّة ومتمتّعة بالحقوق نفسها التي للكنائس الأخرى المستقلّة.

كيف تطلب البطريركيّة القسطنطينية من مجمع الكرسي الإنطاكي أن يرشح من الكراسي الأخرى رجلاً مجهولة بالتمام عنده وعند الرعيّة أشخاصهم وصفاتهم وأهليتهم وأعمالهم في أبرشيّاتهم؟ وكيف ترغب الى ذوي الصلاحيّة بالانتخاب من يسمون لهذا الكرسي البطريركي مرشّحين لا يتكلّمون اللغة المحلّية ولا يعرفون شيئاً من احتياجات الشعب؟ أوَلم يكفِ لدمار الأرثوذكسية في سورية من أسلافنا، رحمهم الله، صدّقوا ما كانت تذيعه الجرائد عن استعداد وفضائل البعض، وانتخبوا منهم بطاركة كانوا لعدم معرفتهم لغة الرعيّة واحتياجاتها يتصرّفون معها بلا اكتراث أو لأسباب أخرى كانوا يسلكون غير المسلك الجدير بهم، فسبّبوا نفور آلاف كثيرة من الأرثوذكسيّين تؤلّف منهم اليوم طوائف كثيرة لم يكن لها قبل وجود في سورية، وهذه الطوائف تحارب الأرثوذكسية بواسطة الرهبنات حرباً بالمدارس والكتب والجرائد وغيرها.

توقيع: ميخائيل مطران صور وصيدا، نيقوديموس مطران عكار، اثناسيوس مطران حمص، غريغوريوس مطران حماه، جراسيموس مطران سلقانية، غريغوريوس مطران طرابلس، راي غفريل مطران بيروت ولبنان».

وكان قد تدخّل الوالي التركي بشكل مفضوح لصالح اليونان في انتخاب اسبيردور بطريركاً يونانيّاً عام (1891) م. ممّا جعل الشعب يقاطع في بيروت ودمشق البطريرك اسبيردور، فأغلق الكنائس بوجهه، ممّا جعله « يحرّم على الكهنة أن يقدّسوا لهم أو يصلّوا لأمواتهم كذلك». ومع ذلك فإنّ الشعب تابع احتجاجه «وراح الكهنة يقيمون الصلاة لهم في كنيسة أخرى غير الكاتدرائية، هي كنيسة مار يوحنا»، وعندما أغلقها البطريرك انتقلوا يصلّون في المقبرة حتى أسقطوه فقدّم استقالته عام (1898) م.

 إنّ هذه الواقعة إن دلّت على شيء فهي برهان على تنامي الوعي القومي عند الشعب السوري الإنطاكي، وهي محاولة جادّة (ثوريّة) من أجل رفض الهيمنة الأجنبية عليه، إن كانت من القسطنطينية أو الإسكندرية، أو من رومة.

وقد حاولت رومة أن تستغلّ أوضاعاً كهذه، فأعلن البابا لاون الثالث عشر الرغبة في الاتّحاد معتبراً أنّه يكفي الاعتراف به أنّه الحبر الأعظم والرئيس الروحي والمدني الأسمى لجميع الكنائس، والنائب الوحيد على الارض للمسيح والموزّع لكلّ نعمة، فردّ عليه البطريرك المسكوني افتيموس السابع برسالة قاسية منبّهاً له أن يلزم حدوده ويعود إلى النظام القديم عقيدة وإدارة.

إذاً، في الوقت الذي ترفض القسطنطينيّة تدخّل رومة، وفي الوقت الذي ترفض القسطنطينية أن تكون رومة هي الرأس، فإنّها هي نفسها لم تتورّع من أن تكون رأس انطاكية. إنّ هذه النزعة الموجودة عند الكنائس لم توجد قطّ في الكنيسة الانطاكية لأنّها في أساسها كانت كنيسة قويّة، ولقد حاولت الدول الاستعمارية ان تتدخّل أيضاً في الانتخابات الدينية. فاليونان حاولوا السيطرة على سوريا من خلال فرض بطريركهم، جاء في مقال نشر في أثينا بتاريخ 28/6/1891: « يوجد في سورية جمع غفير من الأرثوذكس من أعقاب اليونانيّين وما برحوا محافظين مع العرب على تقاليدهم الدينية وعلى حبّهم للمملكة اليونانيّة وتعلّقهم بها، بَيدَ أنّه أخيراً قد نسيَتهم الحكومة اليونانيّة تماماً فأضاعوا لغتهم الأصليّة تحت نير وكرباج الاستعباد والاستبداد… ورغماً عن ذلك بقي في سورية عدد وافر من اليونانيّين ينطقون باللغة العربية ويرعاهم بطريرك يونانيّ، ولكن يُخشى أن يخسروا هذا المركز الهام الذي يربطهم بسائر الأمّة اليونانيّة ».

 
الجمهورية

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
مقال: مسرح الصحف الحيّة: الأسباب والتقنيات (2 ـ 2)

مقال: مسرح الصحف الحيّة: الأسباب والتقنيات (2 ـ 2)

بول شاوول- المستقبل- لكن هذا الإجهاض "الثوري" اللينيني للثورة الحيوية الفنية والمستقبلية والمسرحية والصحافية، بالقمع، والنفي والاغتيال (اضطهاد أنااخماتوفا وقتل مايرخولد، وانتحار ماياكوفسكي…)، لم يُعدم المغامرة، التي عاشتها من جديد الولايات المتحدة الأميركية بعد 15 عاماً من أفولها في بلاد لينين وستالين وجدانوف.

ويمكن القول أيضاً أن المسرح الأميركي، ضمن هذه التجارب، في العشرينات والثلاثينات تأثر كذلك بتجارب بيسكاتور الملحمية والوثيقية والبروليتارية والاشتراكية تأثره بالتجارب الروسية والسوفياتية. فحين انتهت التجربات أو صورتنا أو صودرنا من قبل اللينينية أو الستالينية والنازية، وكأن هذه التجارب في بلدان مختلفة اشتركت في عوامل عديدة، والتقت عند مداخل سياسية وإيديولوجية وسياسية وأدت الى نتائج مسرحية أو ظواهر متشابهة الى حد كبير. ففي عشرينات القرن الماضي في أميركا، لوحظ تغير في الحساسية والجمهور وتحول في الفكر السياسي، وحيوية فائقة في مجالات كثيرة. وقد برز أونيل أحد عمالقة المسرح الأميركي بمسرحيته: Bound East For Cardiff، عام 1916، وفيها خروج على اللغة الأدبية. تتكلم بلغة البحارة الأميركيين، أي باللغة المحكية، متخلصاً من البلاغة التقليدية، ومعتمداً على فكرة التقشف في الديكورات المسرحية التي كانت تتكدّس في المسرح السائد مع أصحاب الاتجاه الطبيعي. إنه بداية فصل الدراما عن الأدب (التجربة التي جسدها بعد ذلك آرثر ميلر). هذه الحساسية الدرامية في اللغة وفي الديكور وحتى في الأداء غذاها مجيء ستانسلافسكي الى أميركا عام 1923 فرقة "مسرح فنون موسكو"، وقام بجولات عديدة في شيكاغو وبوسطن وديترويت ونيويورك ولقي نجاحات كبيرة. وقد جاء ستانسلافسكي بفرقة محترفة، مدربة ومؤهلة لأداء جديد يتجاوز أسلوب الإلقاء السائد والموروث من العصر الرومانطيقي "على المسرح أن يقترب من الحياة": كسر التقاليد حمل الواقع الى المسرح. ما كان كل ذلك ليجدي لو لم يكن في العشرينات مناخات جديدة. يقول المخرج البريطاني جوزف لوزي "أعتقد أنه كان في العشرينات والثلاثينات ظروف ثورية في الولايات المتحدة الأميركية"، شبيهة بالظروف التي عاشتها روسيا في بدايات القرن الماضي. ولهذا يقال أن المسرح الأميركي الجديد هو وليد تأثره بالمسرح الروسي (وكذلك الألماني)، من خلال ستاتسلافسكي وكذلك من خلال العروض السياسية والدعائية والتحريضية. وهذه الاحتجاجية ـ الدعائية اقتبست عن "المنظمة من أجل ثقافة بروليتارية" التي أنشئت في روسيا عام 1906 (بالتزامن مع الحركة المستقبلية)، لإعطاء البروليتاريا ثقافتها الطبقية الخاصة. بل وعمد المسرحيون الأميركيون الى استخدام مصطلحات سبق أن استخدمت في الاتحاد السوفياتي مثل "مختبر" و"بروليتاريا"… إنه المسرح الواقع يبرز، بكل حيوية المجتمع، وتأججه، يعني أن الفن الدرامي، الخارج من الطبيعية والرومانطيقية ارتبط بالواقع السياسي. وهنا بالذات يمكن الكلام عن ظاهرة "مسرح الصحف الحية"، كتعبير من تعابير المسرح السياسي المباشر، والمنفتح على كل الحساسيات الدرامية وغير الدرامية والفنية السائدة. فهو، كما سبق أن قلنا، صنيعة التناقضات، أو الحدث، أو اللحظة.. إنه المسرح ـ الفعل، المسرح الفاعل، المسرح سلاح الناس والنقابات والقضايا المتفجرة، حيث ألغيت المسافة بين القاعة والجمهور وبين القاعة والشارع، وبين الشارع والسيرك، أو الشاحنات أو الساحات. إنه الجنون الجميل الذي كالحجر السحري يحول كل شيء وكل نص وكل خطاب مسرحاً شعبياً. فهذا المسرح "الصحف الحية" كان ينطلق من أحداث متفرقة، ملحة، وقسرية. وإذا عرفنا أنه بالإضافة الى المناخات المهيأة سلفاً، أحدث الانهيار الاقتصادي في 1929 تفجراً في القيم التقليدية، فقد برز ذلك في سلوك الناس وفي أفكارهم وفي نظرتهم الى الأمور الفنية. إنها كارثة كبرى، أحدثت دوياً، وزلزالاً اجتماعياً، بلغت فيه البطالة نحو 40 مليوناً، وراح أصحاب البنوك والشركات يرمون أنفسهم من النوافذ، أو يعمدون الى الانتحار. إنها مشهدية تراجيدية طويلة، طرحت على المجتمع أسئلة الهوية الجديدة. وكان من الطبيعي أن يكون المسرح هو المكان المناسب حيث يتم اللقاء والمناقشات والمداولات الجماعية. إذاً فعل الجماعة (لا الفرد) يحاول صناعة زمن جديد. والنقطة المهمة ظهور امتدادات شيوعية واشتراكية كثيفة عند الأميركيين (تحت تأثير روسيا وألمانيا). في هذ الجو المشحون، كان للصحف الحية مسارحها، وطرائقها، انطلاقاً مما يدور حولها لا سيما في كارثة وول ستريت، أو في الإضرابات، أو في قرارات النقابات والأحزاب. فاستخدمت الصحيفة أو المجلة كمصدر معلومات وأخبار وآراء، وتمت مسرحتها، بشتى الطرق التوضيحية والتأثيرية المباشرة، كأن تمسرح مقالة، أو خبراً، أو ظاهرة، في قاعة، أو في شارع، أو في أي مكان آخر، فالمتفرج صار جزءاً من الحدث المسرحي، والحدث المسرحي صار جزءاً من المتفرج. ففي القاعة، وعبر النص ـ الذريعة، يتعرف الجمهور على مشاكله: يصغي بانتباه الى الممثلين يتكلمون بإسمه والممثلون ما عادوا ممثلين بالمعنى الشائع (كما كتب العديد من النقاد) فقد كانت تجرفهم الحماسة أحياناً فيتم التواصل عبر موجة جارفة "لم يشهدها المسرح من قبل".
يتذكر المدير السابق للمسرح الفدرالي في كتاب "المسرح الأميركي الجديد" (لفرانك جوتران) بعض عروض "الصحف الحية"، بأنه لم تكن من أسلوبية واحدة لهذا المسرح، ولا تقنيات لصيقة به، بقدر ما استفاد من كل التقنيات والأشكال في المسرح المعاصر آنئذ. "كان ثمة قراءات أو اسكتشات يقوم بها الممثلون أو أخبار بحوارات ذات تقنيات معاصرة". ويقول الن شنيدر مخرج أعمال إدوار البي أنه استخدم في مسرحيات "الصحف الحية" طريقة تظهر الممثلين في آن واحد على الخشبة وعلى الشاشة. بيسكاتور استخدم هذه الطريقة للمسرحيات السياسية في ألمانيا عام 1925. "كنا نستخدم كل الأشكال التي توحي الحياة كالضجيج، والموسيقى، ومكبرات الصوت، والأصوات، والرقص، والهتافات" من دون التوقف عند لهجة أو لغة، باعتبار أن هذه الأعمال قدمت في مختلف المناطق في الولايات المتحدة الأميركية بلهجات ومحكيات الأقليات المتعددة. "إنها فرق شوارع، التي رأيناها فيما بعد تنصب في الشوارع بسلالمها المزدوجة للاحتجاج على حرب فييتنام.
وإذا انتقلنا من هذه المناخات المفتوحة الصاخبة نجد، من خلال المراجع والمقالات والمدونات، أن أصحاب ممارسة "الصحف الحية" كانوا يعمدون، الى جانب التأثيرات المباشرة، الى "تثقيف الجمهور"، بمنحى تحليلي، يقوم على انتقاد الأخبار الاقتصادية والسياسية على امتداد عروض طويلة. بمعنى آخر كانوا يتوجهون الى العقل في العديد من أعمالهم، لدى الجمهور وكذلك الحس الأخلاقي، أي يتوجهون الى الوعي. يستثيرونه، ولكن لاستخلاص موقف، أو نتيجة أو مشاركة أو انخراط أو احتجاج. بمعنى آخر كان هذا المسرح احتجاجياً بالدرجة الأولى، وتعليمياً. ولهذا كانت تتم المناقشات للحدث أو للظاهرة بطريقة هادئة، عقلانية (نتذكر بيسكاتور وبرشت)، وديموقراطية. بمعنى المشاركة. وهنا لا بد من الإحالة على نمو الفكر الاشتراكي والشيوعي في الولايات المتحدة في العشرينات والثلاثينات وبعده، قبل أن تأتي المكارثية وتمارس إرهابها وبالطرق الستالينية على هذه الأفكار اليسارية. إذاً المشاركة تعني قبل كل شيء تعادلاً بين الفنان والمثقف والسياسي وبين المتلقي الذي تحول متلقياً إيجابياً (التغريب البرشتي) بين المثقفين والعمال (البروليتاريا)، كأنها لحظة ثورية تحت عنوان المساواة في المسؤولية، والمساواة في التقديم، وكذلك صناعة التاريخ. فالحدث هنا يصبح تاريخاً. والصحيفة التي تصير حية، إما تصيرها، لأنها تتحول منطلقاً للمشاركة في التحليل، عبر مناقشات وقراءات، أو عبر اسكتشات أو مسرحيات قصيرة من فصل واحد، أو مقالات تمسرح، أو مسرحيات تقدم كمقالات. اختلطت كل الأمكنة بكل الأمكنة. أو الأحرى تمسرحت الأمكنة كلها. وتموضعت في تهيؤات جديدة. وأكثر ما بدا ذلك في الإضرابات العمالية، وفي موقف النقابات والأحزاب، وفي التحركات الشعبية: الجمهور صار مصباً ونبعاً. بل اختلط المصب بالنبع، فقد سقطت الفروق والمفارقات بين الخشبة والشارع والمقهى والمطعم والساحة والملعب والشاحنة، والأدب وغير الأدب، النص المسرحي وخلافه، الممثلين المحترفين والهواة أو المندفعين. وكأن كل هذه التجليات المسرحية التي عمّت الولايات المتحدة الأميركية في لامركزية طبيعية، عبر مسارح صغيرة ثابتة أو جوالة، وفرق هواة ومحترفة… ولدت رغبة عند الفنانين والناس في أميركا، (وتحت تأثيرات أوروبية فرنسية وروسية وألمانية)، في التغيير الحي، المفتوح، سواء من خلال فكر إيديولوجي، أو غير إيديولوجي، بعفوية وبقصد. ولهذا، فمسرح الصحف الحية، لا يمكن أخذه على حدة، كنمط منفصل، أو كوجهة متكاملة. إنه جزء من حيويات سعى إليه المسرح في تلك الفترات كتقنيات ووسائل ومنصات، لتتفاعل كلها وتشكل فضاء واحداً من لغة جديدة، ونبرة جديدة وأفق جديد.
وعندما تناولنا مثلاً التجارب الرائدة المماثلة في الاتحاد السوفياتي وفي ألمانيا وتخصيصاً عبر بيسكاتور، فلكي نقول أن الإنجازات التي تمت هناك، وأجهضت بالقمع اللينيني ومن ثم بالعنف الستاليني وكذلك بالظاهرة النازية، إنما أكملت طريقها في الولايات المتحدة الأميركية، بكل تفاصيلها، وتقنياتها. فمسرح الصحف الحية تبدى في طرق مختلفة، وعبر امتدادات شتى. لكنه، مع سواه من المسارح الجديدة، تمّ تحت سقف المسرح السياسي، هنا على الطريقة الاشتراكية، وهناك على الطريقة الشيوعية، وبمكان آخر بالمنحى النقابي أو السياسي، أو العفوي. وحتى صفة "الحي" لم تقتصر على "الصحيفة" الحية كذريعة أو كسبب أو كمادة أو كصوغ موقف، وإنما على كل عنصر "حي" يميز هذا المسرح، ويظهره، ويعلنه: الموسيقى الحية، الإضاءة الحية، الأصوات الحية، المجلة الحية، المنبر الحي، البروجكتورات الحية، المنصات الحية. إنه عنوان كبير للمسرح الحي، والصحيفة جزء متكامل منه. وعلى هذا الأساس يمكننا ومن خلال هذا الإطار، واستخلاصاً، وبعدما أشرنا الى المسببات المشتركة، أن نستعيد تقنيات خاصة أو مشتركة لهذا المسرح. فهو استخدم وسائل وعناصر مادية ومعنوية ومنها:
1 الجريدة طبعاً، كمنطلق يحمل الحدث السياسي أو الاجتماعي.
2 التحليل الجماعي. أو القراءات الممسرحة للنص. بحيث كسر الحاجز بين النص المسرحي والمقال أو الخبر، كل شيء قابل لأن يكون "درامياً".
3 المشاركة في صوغ العمل بين المحترفين والهواة والجمهور، بحيث انتفت المساحة بين أهل المسرح والجمهور.
4 استخدام سطوح الشاحنات والقطارات والسيارات، والسيرك، والشوارع كأمكنة… إضافة الى القاعات التقليدية، فانحلت الفروق بين مكان مسرحي خاص، ومكان مسرحي عام.
5 استخدام الشاشة، والبروكتورات والسينما (نتذكر بيسكاتور) في العمل.
6 استخدام الموسيقى والغناء وفنون السيرك، والإضاءة… لتحويل أي نص الى عمل مسرحي، بمواصفات جديدة.
7 اللجوء أيضاً الى النص الأدبي حتى التقليدي وتقديمه بطريقة غير تقليدية، وكذلك الخبر أو المقال، بحيث لم يعد النص الأدبي هو الوحيد الذي يصلح لمادة مسرحية.
8 استعمال الوثيقة (والأرشيف)، أيضاً، كمادة للمسرحة، سواء جاءت من جهة الصحيفة أوسواها (نتذكر بيسكاتور) وكذلك بيتر فايس بعد ذلك.
9 استخدام الوسائل التوضيحية، والعقلانية والتحليلية في التفسير والتعبير، للحدث أو للظاهرة، أو للموقف. (نتذكر بيسكاتور والمسرح الملحمي عند برشت). أي معادلة الوعي والحدث بعيداً من الانجراف الاندماجي.
10 الارتجال سمة أو مرحلة تتجلى في عفوية الأداء أو المشاركة أو التأليف أو الموقع في مواجهة المادة أو الحدث.
11 إحداث تغيير في دور الممثل أو المؤدي بحيث تمّ، أحياناً، ومن فرط عفويته، وتطلبات الموقف، إلغاء المسافة بين "الممثل" التقليدي أو التقمص، أو التجسيد، صار أحياناً التمثيل بلا تمثيل، صار الدور هو الشخصية، والشخصية هي الدور.
12 لم تعد الديكورات تزويقية، أو متراكمة، أو حتى ثابتة كما في المسرح التقليدي: الطبيعي، الرمزي، أو الرومانطيقي أو الكلاسيكي، باتت الأمكنة أحياناً هي الديكورات الطبيعية؛ باتت الشاحنة هي المكان، وتلوينها بألوان حية هو الديكور. والملابس العادية أو غير العادية، باتت هي الأزياء. وكذلك الماكياج. أحياناً كثيرة، كان يرتجل الماكياج كما في السيرك: المهرج بأنفه، وقبعته… أو بماكياج طبيعي، ومن دون ماكياج. صارت الوجوه عارية تقريباً بلا أقنعة، (والماكياج والملابس أقنعة أو حجاز).
إن كل هذا، أقصد مسرح الصحف الحية، كان من متواليات الحالة المسرحية السائدة، والسياسية السائدة (الموروثة من روسيا وألمانيا وسواهما)، مسرح اللحظة المتأججة، والحدث السافر، والموقف المعلن، والفعل المباشر. ولهذا يمكنا القول أنه المسرح المكشوف، المباشر، الملح، اللحظوي، الحدثي، التاريخي، السياسي بامتياز. مسرح مكشوف أمام جمهور مكشوف، تماماً كالصحيفة الحية. أو فلنقل أنه المسرح الحي، الذي يغتذي من كل طازج وحي، من جمهور حي، وجديد، الى أفكار جديدة، ومواقف جديدة، وديموقراطية جديدة، ومناقشة ومشاركة وانخراط في لعبة المسرح، مما ترك آثاراً قوية في كل ما جاء بعده: من برشت الى بيتر فايس (المسرح الوثائقي)، الى "المسرح المفتوح"، فإلى "هابنينغ تيشر" في أميركا، فإلى جان فيلار ورانكوني… وصولاً الى اريان منكوشكين.
إنه كالمسرح الاحتجاجي النضالي المباشر في بدايات القرن العشرين في روسيا حيث أجهز عليه لينين، وألمانيا حيث أجهزت عليه النازية، وفي الولايات المتحدة حيث تعرّض للتدجين والمصادرة من خلال ما سمي "العقد الجديد" الذي وضعه الرئيس روزفلت لاستيعاب هذه الثورة، من دون أن ننسى المكارثية وأداتها الأمنية "أف.بي.آي" والتي لا تختلف لا عن الستالينية ولا عن الفاشية بوسائل قمعها وإرهابها!

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
تحقيق: لبنان: ثورة المعلومات سبّبت اعتداءً على الخصوصيات وانتهاكاً للحرمات [2 من 2]

تحقيق: لبنان: ثورة المعلومات سبّبت اعتداءً على الخصوصيات وانتهاكاً للحرمات [2 من 2]

لمّا كانت جرائم المعلوماتية معولمة، ولمّا كان تعقّب المجرمين، الفارّين منهم وأولئك الذين يجوبون فضاء الانترنت والأجهزة الالكترونية بحريّة مطلقة، يفرض وجود استراتيجية أمنية واضحة تؤسس لبيئة اجتماعية ورقمية أكثر أماناً، يبرز دور الشرطة القضائية التي تدير عمليات مكافحة الجرائم،

وتنسق مع وزارة الداخلية عبر المدير العام لقوى الأمن الداخلي لوضع خطط للعمل المحلي والبحث في سبل التعاون الدولي، لبلوغ مستوى عالٍ من الحرفية وتحقيق قفزة نوعية في مجال المكافحة، مواكبةً للتقدم الحاصل في بلدان العالم على هذا الصعيد.

في هذا السياق، يرى العميد أنور يحيى، قائد الشرطة القضائية، ان تطور الجريمة والأساليب التقنية التي يستخدمها منفذو جرائم المعلوماتية "استدعى انشاء مكتب خاص في قوى الأمن الداخلي تابع للشرطة القضائية، تم تجهيزه بأحدث المعدات وجهاز بشري كفوء متخصص بمتابعة تلك القضايا ومعالجة الجرائم التي يتخذ معظمها من الانترنت ساحة له". وطالب يحيى الدولة والقطاعات المعنية بوضع قيود على مقاهي الانترنت internet café تحديداً، "التي تشهد العدد الأكبر من الجرائم التي تبقى من دون معالجة، لاستحالة الحصول على معلومات عن المجرم من المقهى الذي تُرتكب الجريمة عبر الانترنت الذي يشغّله. ففي الخارج، نجد لزاماً على كل مقهى يوفر لزبائنه خدمة انترنت اتباع اجراءات معينة مع المستخدم قبل دخوله الشبكة، كأخذ معلومات شخصية وإبراز بطاقة محددة، الى ما هناك من إجراءات تسهّل عمل الشرطة في حال وقوع مشكلة او جريمة". كما أعرب عن رضاه عن عمل المكتب "الذي يتطور يوماً بعد يوم بشكل فعّال عبر تجهيزه بخدمات وأجهزة متطورة وإخضاع عناصره للتدريب المتواصل محلياً وعالمياً، وتزويده المعلومات الضرورية من الشركات وأصحاب الاختصاص، ونحن فخورون بما يقدمه هذا المكتب من خدمات مهمة جداً وهو لا يزال في طور النمو، لكنه أثبت جدارة وفعالية في الأداء عبر كشفه عن جرائم غامضة وتهديدات لحياة الناس وتعديات على خصوصيات الغير، تلقّى نتيجتها عددا من التهاني والجوائز العالمية".
والسياسة، التي تؤثر في كل قضية في لبنان، تلعب دوراً مهما هنا أيضاً، فهي اما تحد من قدرات قوى الأمن وصلاحياتها، او تساعد في توفير مناخ ملائم يخلق حرية اكبر في المداهمات، وخصوصاً انه الى اليوم ثمة مناطق محظورة أمنياً يُمنع رجال الأمن من الدخول اليها، لكن من وجهة نظر يحيى "المصالحات التي يجهد المسؤولون لإنجازها تنعكس إيجاباً في هذه النقطة بالذات، حيث تسهم في توسيع الآفاق وتبادل وجهات النظر، والبحث في سبل التعاون البنّاء من قبل الأطراف السياسية والحزبية كلها، والعمل الجادّ لجعل معظم المناطق اللبنانية مفتوحة أمام عناصر الأمن المنوط بها وحدها حفظ أمن البلاد. ولا يمكننا ان ننسى ان وجود وزير كفوء في وزارة الداخلية والبلديات، حريص على حقوق الانسان، يبشّر بغدٍ أفضل، وطرحه فكرة انشاء جهاز "آرب – بول" كان وجيهاً، ومن شأنه افساح المجال واسعاً امام تبادل أسرع وأدق للمعلومات، والتخفيف من الأزمات الأمنية على الصعد المختلفة".

فراغ تشريعي وجهات تتحرك

كل تلك الأمور تبقى غير كافية لتحقيق الأهداف الأساسية من ملاحقة المجرمين ووضع حدّ للجرائم، طالما تغيب النصوص القانونية الخاصة المفترض أن يستند اليها القضاء في نهاية المطاف لتجريم مقترف الجرم وإصدار أحكام رادعة لكل نوع من أنواع جرائم المعلوماتية.
ويرى المحامي طوني عيسى، رئيس لجنة المعلوماتية في نقابة المحامين، انه رغم الفراغ التشريعي الواسع "فان القضاء اللبناني يحاول، في كل مرة تُعرض أمامه دعوى او ملاحقة قضائية في ما يخصّ جرائم المعلوماتية، ان يطبق ما لديه من مواد جرمية وعقابية موجودة في النصوص المرعية الاجراء، كقانون العقوبات وأصول المحاكمات المدنية وقانون الملكية الأدبية والفنية الذي صدر عام 1999 ويحمل الرقم 75 وأتى على ذكر خجول لجرائم المعلوماتية. وقد صدرت عشرات الأحكام القضائية استناداً الى مواد القانون الجزائي، رغم صعوبة تطابق هذه المواد مع الجرائم المعروضة، وكلها قابلة للطعن لعدم توافر نصوص جزائية صريحة تعاقب أفعالاً جرمية محددة".
ويمكن ردّ عجز لبنان عن اللحاق بركب التطور الحاصل في العالم على صعيد مكافحة جرائم المعلوماتية (حيث كانت فرنسا والولايات المتحدة الأميركية من أولى الدول الغربية التي أصدرت تشريعات جزائية تعاقب صراحة التعدي على الأنظمة المعلوماتية، كذلك دولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد العالم العربي) الى انعدام وجود استراتيجية وطنية واضحة حيال كيفية التعامل مع المسائل الجديدة التي تطرحها ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومن ضمنها جرائم المعلوماتية.
وتتطلب تلك الاستراتيجية تضافر جهود القطاعات المعنية كلها، سواء الدولة او القضاء او حتى المجتمع المدني. وفي الشق المتعلق بالدولة، "يُعتبر انشاء مكتب للمكافحة في قوى الأمن الداخلي خطوة واعدة رغم الحاجة الملحّة الى تفعيلها نظراً الى الدور الكبير الذي يلعبه عناصر ذلك المكتب الذين يتمتعون بخبرات تقنية عالية في مجال التحقيق والملاحقة"، كما علّق عيسى، لافتاً الى انه على الصعيد التشريعي " كان لبنان السبّاق عربياً الى تحضير سلّة تشريعات في العام 2000 تنظّم معظم المسائل الجديدة المطروحة، كالتوقيع الالكتروني والتجارة والمعاملات الالكترونية وحتى جرائم المعلوماتية، وقد شاركت في هذه الجهود جهات نيابية وحكومية عدة، أبرزها لجنة تحديث القوانين في مجلس النواب ووزارات الاقتصاد والتجارة والعدل والمالية ومصرف لبنان، فضلاً عن اقتراحات قوانين أُعدّت من قبل جمعية إنماء المعلوماتية القانونية وجمعية المصارف وغيرهما. لكن أي نص تشريعي لم يصدر لغاية اليوم لأسباب شتى. علماً ان لجنة تكنولوجيا المعلومات النيابية كانت اقترحت في العام 2006 مشروع قانون عن التعاملات الالكترونية، يتضمن قواعد قانونية تحرّم وتدين الأفعال المتصلة بتكنولوجيا المعلومات، قامت اللجان المشتركة بدراسته وهو في حاجة الى تنقيح كثير. وقد أُحيل على وزارة العدل حيث شُكلت لجنة مصغرة للبحث فيه قبل اعادته الى اللجان المشتركة التي تبحث في الوقت عينه مشاريع أخرى أعدّتها جهات مختلفة، للتوصل الى صيغة موحّدة ونهائية لقانون جديد يرتكز على مضامين المشاريع المقترحة، يمكن اعتماده رسمياً في وقت لاحق".

التوعية ضمانة للحق الانساني

مهما يكن، فالوقاية من جرائم المعلوماتية لا تقتصر على الدولة وتحديث القوانين وسن تشريعات صارمة فحسب، فثمة مسؤولية كبرى تقع على عاتق المجتمع المدني الذي يجب ان يتولى، عبر مؤسسات وجمعيات متخصصة، توعية مستخدمي وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، تلافياً لأي أذى محتمل قد يلحق بهم. ومع وجود عدد من الجمعيات المعلوماتية التي لا تقوم بما يتوجب عليها بشكل كافٍ، تظهر أهمية تأليف جمعيات متخصصة يكون من أولويات عملها توعية المستخدمين على مخاطر جرائم المعلوماتية والانترنت. كما لا يمكن إغفال دور جمعية حماية المستهلك المعني مباشرة بالموضوع، كونه المتضرر الأول الذي تُنتهك حقوقه ويُمارس عليه الاجرام. وتفعيل دور جمعيات حقوق الانسان أمر بديهي لنشر التوعية اللازمة للوقاية من الوقوع في قبضة مجرمي الانترنت، مثلما تفعل الدول الغربية المتقدمة، حيث يجري، على سبيل المثال، استحداث مواقع الكترونية عامة تقدم برامج ومعلومات توعوية وتوجيهية، تحذر المستخدم من الدخول الخاطئ الى مواقع مريبة، قد تعود عليه بالضرر وتجعله عرضة للخداع والاحتيال.
تبقى كل تلك الخطوات الاحترازية، على أهميتها، ناقصة ما لم تقترن بقوانين نهائية يؤمل صدورها قريباً، وبتكثيف للجهود المبذولة من أجل الملاحقة الحثيثة توصّلاً الى المحاسبة الفاعلة. وفي المقابل، وقبل الحديث عن "آراب­ بول" بين الدول العربية، ثمة حاجة الى استقرار دولي وعربي بالأخص، حيث ينبغي ان يتكاتف العرب ويوحدوا قراراتهم كي يتفعّل العمل الجماعي المشترك الذي يُترجم استقراراً على الوضع اللبناني، اذ يحقّ للبنانيين بعد كل ما عانوه من هزات وتفجيرات أمنية قضّت مضاجعهم ولا تزال، في بلد تتداخل فيه السياسة المحلية والسياسات الخارجية بشؤونهم الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية المختلفة، ان يحصلوا يوماً على الأمن والأمان، وأقل ما يمكن فعله في هذا الشأن هو تفعيل الجهاز الأمني لحماية الأفراد من التعدي على خصوصياتهم التي هي حق إنساني، وحمايتها تشكل ضمانة للكرامة الشخصية.

ليال كيوان – جريدة النهار 06.12.2008

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
لبنان: ندوة: أزمة كتاب؟··· أم أزمة قارئ؟[2/2]

لبنان: ندوة: أزمة كتاب؟··· أم أزمة قارئ؟[2/2]

وهنا مجريات الحلقة الثانية من الندوة أريد أن اتوقف عند مسألة المكتبة الوطنية التي تتوج عمل المكتبات العامة، وتربط شبكة المكتبات الوطنية وهي ذاكرة وطن بكامله ولها دور فعّال في نهضة التنشيط الثقافي في لبنان، وتساهم دولة قطر بمبلغ 25 مليون دولار وسلطنة عُمان قدمت ايضاً 20 مليون دولار لإقامة دار للثقافة والفنون في لبنان ودائماً تعمل وزارة الثقافة على التعاون مع الجسم الثقافي في الوطن أجمع· غسان مطر

العمل يكون من خلال تقديم ورقة عمل تقدم لكل المؤسسات التي على صلة بالمشروع، ومن ناحية ثانية كل النشاطات الثقافية التي ترعاها وزارة الثقافة لها حيثيات غير موضوعية، منها تشكيل لجنة الاشراف على مسابقة الشعر والقصة القصيرة، إقتصرت على رؤساء الأقسام الثقافية في الجرائد المحلية، ولكن أين التعاون مع المؤسسات المعنية؟

د· حلبلب

الوزارة تمد يدها لكل ما يساهم في مشاريع ثقافية، وتعمل الوزارة على دعم الكتاب·

فاديا جحا

أرفض فكرة التعدد في اقامة المعارض المتخصصة للكتاب في لبنان، وأفضل فكرة تشجيع المكتبات التجارية أكثر من اقامة المعارض، وأؤكد ان الهدف من المعرض هو الجمعة الثقافية ولم شمل المثقفين ولقاء القرّاء·

محمد عمرو:

"ان المعارض تكثر لأسباب سياسة، فكل فئة سياسية لديها معرض مخصص وهنا تزداد اعباء الكلفة على دور النشر أما عن توزيع الكتب فتم على أربع مراحل وفق خطة معينة إذ يتم تقسيم فئات المكتبات إلى (أ) و(ب) و(ت) و(ث) وذلك لا يسبب ضياع الكتاب داخل المكتبات بحيث ينقل الكتاب كل ثلاثة اشهر من مكتبة إلى أخرى·

واقترح سلسلة مشاريع منها رفع الميزانية المخصصة للكتب المدرسية ومحاربة ظاهرة تزوير الكتب، وتخفيض الرسوم الجمركية والضرائب على مستلزمات انتاج الكتاب وأطلب من وزارة الثقافة، تخصيص قاعة دائمة لعرض الكتب، وتخصيص ميزانية لدعم الكتّاب، ودعوة البلديات في كافة المحافظات والقرى اللبنانية لاقامة قاعات لعرض الكتب، وتخصيص لجان بدعم من البلديات·

غسان مطر

يجب تسليط الضوء على موضوع الحرية في العالم العربي لأن العالم العربي ما لم يتحول فيه كل إنسان إلى إنسان حر يقدس الحرية، وإلى أنظمة تحترم الحرية وتقدسها لن يصبح عندنا مواطن صالح ليقرأ وصالح ليؤلف ويكتسب هويته، إذاً، الحرية شعار أساسي في الحياة· أما من الناحية الإقتصادية فان العالم العربي ينقسم بين نوعين الدول الغنية والدول الفقيرة فيجب العمل لأجل اقامة مشروع الكتاب للجميع، وتأمين لكل مواطن عربي كتاب واحد على الأهل في السنة·

د· حلبلب اتوقف عند اعلان بيروت عاصمة للكتاب للعام 2009، فالأونيسكو اختارت بيروت عاصمة للكتاب في العالم للعام 2009، وبذلك تكون بيروت أول عاصمة عربية حققت حدثاً استثنائياً، بالرغم من أن ميزانية وزارة الثقافة يخصص لها نسبة 0.01% من ميزانية الدولة، واقترح وزير الثقافة الدكتور طارق متري فكرة انشاء لجنة متخصصة باعلان بيروت عاصمة عالمية للكتاب وهذه اللجنة تنفيذية مصغرة تتعاون مع الأونيسكو وبالاتفاق مع بلدية العاصمة، أي بلدية بيروت وتتعاون مع مكتبات المدن الأخرى وهي مواقع للتنشيط الثقافي وتهدف إلى مشاركة مناطقية شاملة واللجنة التنفيذية المؤلفة من عقل العويط وجمانة حداد وعباس بيضون واسكندر نجار بالإضافة إلى ممثلين عن نقابة الناشرين اللبنانيين·

أما اللجنة ا لاستشارية فتضم حوالى 90 عضواً من ضمنها اتحاد الكتّاب اللبنانيين، وهنا دور اتحاد الكتّاب أساسي في اللجنة الاستشارية ولكن حتى الآن لم يتم التحضير أو العمل الفعلي لأن فعاليات بيروت عاصمة للكتاب ستكون في نيسان 2009 لذا يتوفر لدينا الوقت الكافي للتحضير·

أحمد راتب عرموش

ما هذه اللجنة التي تتألف من 90 عضواً؟!··

غسان مطر

ان أول خطوة يجب على الوزارة اتخاذها تكمن في التواصل مع اتحاد الكتّاب وتبليغه قبل تشكيل اللائحة التي تؤلف اللجان الاستشارية والتنفيذية مع العلم انها همشت المؤسسات الثقافية في المناطق اللبنانية كافة في الجنوب والشمال والبقاع وبيروت والجبل· د· حلبلب

ان الوزارة مستعدة لتلقي أي اقتراحات من قبل أي مؤسسة فكرية أو ثقافية وسيتم توزيع استمارات على جميع المؤسسات المعنية لابداء الرأي·

إعداد: إلياس العطروني =(اللـــواء الثقافي) 

 

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
تداعيات الإعلام الديني – 2/2

تداعيات الإعلام الديني – 2/2

اما الواعظ الفيليبيني فقد ركز في عظته على الايمان وان الشك هو مرض العصر وتمادى بشرح الشك فقال انه سبب كل الشرور فمن شك بصديقه عاش دون صديق ومن شك بزوجته عاش حياة زوجية تعيسة ومن شك بالعلم لم يتعلم ومن شك بالوجود انتحر، لذا فالايمان هو اليقين،

وعليه فإن طرح الأسئلة يؤدي إلى مزيد من الحزن، والفرح هو التسليم ان الرب موجود وهو يرعانا وبالتالي فلا يجب ان نقلق كيف نأكل فهو يطعمنا ولا كيف نلبس فهو يلبسنا ولا كيف نتعلم فالتأمل في خلائقه كفيل لنا بالمعرفة. وينتهي إلى القول ان النفس لن ترتاح إلا عندما تسكن في جوار الله.
في مقابل هذه المحطات الفضائية المسيحية تأتي المحطات الإسلامية ـ العربية مثلاً، فتركز على المشايخ الذين يتبارون في سرد الاحاديث الشريفة والتي تتلاقى كلها في ان كل مشكلة لها حل في القرآن الكريم وان الاسلام جواب لكل سؤال وان الغرب تعيس وضائع لانه لم يكتشف القرآن، ويرد المشايخ على أسئلة الناس بدءاً من حياتهم الفردية والزوجية والعمل والدرس والتعليم والوظيفة واطاعة القوانين والمسؤولين وصولاً إلى المواقف من حقوق الانسان والاختراعات والاكتشافات إلى المواقف من الدول كأميركا وإسرائيل والغرب عموماً. ومن يستمع إلى هؤلاء يخرج بانطباع ان المسلمين في البلاد العربية هم في أروع حال وأفضل وضعية وان السعادة البشرية ترتاح بين أيديهم.
وفي حلقة تلفزيونية لحوار الأديان وحول العلاقة بين الإسلام والمسيحية في لبنان كانت المواقف كالتالي: الأولى من استاذ جامعي ومفادها ان العلاقة بألف خير وان أحداً من المجموعة لم يسأل عن طائفة الآخر ولم يعرفها حتى ـ والغريب كيف ان صبية حاسرة عن أكثر من رأسها لم تتعرف على طائفة زميلة لها محجبة ـ والثاني من كاهن مسؤول في وسيلة إعلامية مسيحية قال ان الدين ليس كلاماً أو نظريات أو كتب بل هو مثال يحتذى ولكي تعرف المسيحية انظر كيف يعيش المسيحيون دينهم ـ والغريب ان هذا الكاهن يدرك ان قراءة المثال للباباوات منذ القرن الثامن وحتى الخامس عشر على الأقل حافلة بأمثلة وان أغلبهم مات مقتولاً أو مسموماً أو غير معترف بشرعيته، وان الزعماء الذين قاتلوا باسم المسيحية والصليب لا يشرفون الانسانية بشيء وانه إذا اقتصر المثال على النسّاك والرهبان لكانت المسيحية بعيدة عن حياة الناس اليومية ـ والثالث شيخ اعتبر ان معرفة الاسلام تتطلب العودة إلى الكتاب ومصادره الأولى حيث ان الممارسة ليست بالضرورة هي الصح ـ وبالطبع فإن كلامه مستنداً على وقائع عيش أغلب الخلفاء المسلمين الذين لا تشرف سيرتهم الاسلام بشيء فانصرف أغلبهم إلى النساء والغلمان والتقاتل وفي سرد للمسعودي في كتابه معادن الجوهر يكاد الخلفاء الصالحون قلائل في سيرة الخلفاء ـ ولكن العودة إلى الكتاب تعني قراءة على مستوى ثقافة القارئ مما يعني العودة إلى الفقهاء والتلفزيونات تفضح الفتاوى المتعارفة والمتناقضة في تفسير الأحاديث والتكفير سيد المواقف.
وإذا كانت الفضائيات المسيحية تجعل من الدين فعلاً افيوناً يخدر الناس ليهربوا من مشاكلهم إلى احضان الرب فإن الفضائيات الاسلامية تعطي الطمأنينة في سلوكيات فقهية متناقضة لا تبشر خيراً بوحدة التعليم والأمة.
أمام هذا الكمّ الإعلامي الديني يتساءل المرء: هل هذا الإعلام سلبي أم إيجابي وهل يشرّف الانسان أم يصرفه عن المشاركة في الشأن العام حيث ان الشأن الخاص لا ينفصل عن العام؟ وهل فعلاً يمكن للراحة الفردية إن تكون بمعزل عن الراحة الجمعية؟ وإذا كان الغرب يبحث عن حلول فردية بسبب طبيعته الفردية وانحلال أواصر العائلة والمجتمع وحيث انه قد نحى نحو الأطر الاستهلاكية وإعلام خلق الحاجات وإنتاجها بغية تسويقها واستهلاكها، فهل أصبح الشرق كذلك وهل تنحو الفضائيات المسلمة لتسير في ركب الغرب فتسقط مفهوم الأمة والمجتمع؟
قد لا يكون انطون سعادة الوحيد الذي تكلم عن الجمعية في الأمة. والذي اعتبر ان الفرد هو إمكانية اجتماعية وان هذه الإمكانية إذا فعلت لغيّرت. وقد يكون المصلحون الاجتماعيون الذين اعتبروا ان الدين يمكن ان يكون بكثير من المواقف عائقاً أمام التقدم الاجتماعي ملحدين في نظر المتدينين أو المؤسسات الدينية لكن السؤال المتتابع يطرح نفسه: كيف يمكن للدين ان يكون جواباً إذا كان مجرد سبك للكلمات أو اقتراحات آنية وكيف يمكن للطمأنينة ان تكون للناس إذا كانت مجرد هروب من الناس ومن الواقع المعاش.
وللفضائيات الدينية في دنيا العرب سؤال: أليس هناك مجالات للحديث سوى عن الكتب الدينية والتفسيرات؟ وهل أصبحت الحلول شبه محصورة بلعن أميركا وإسرائيل وهل صار الخلاص إما بالصدام المسلح أو الدعوات لرفع القبضات. وماذا يعني الحوار إذا كان يعني قبول الآخر بمعتقداته، هل يحل المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟
وهل التركيز على قيام الجمعيات الدينية والنشرات الدينية والخطب الدينية كفيل برسم مستقبل مشرق لأهل الشرق والعرب ولبنان. أين العمل المشترك في المختبرات والمعامل والمصارف، أليس تسليط الضوء على ان الإنتاج المشترك والدفاع المشترك والتربية المشتركة هي عناوين العيش المشترك، أوليس قبول المواطنية والانتماء الأول لها حتى وان لم يكن الأوحد ـ هو الكفيل للبدالة عن قبول الآخر بمعتقداته لأن الانتماء المواطني يلغي مفاعيل تأثير أي انتماء ثانوي آخر. أوليس الاهتمام بإدخال ذهنية الدولة في عقول ومشاعر الناس كفيل بابعاد ذهنية الطائفية والتطيّف. الإعلام الديني هو سلبي ما دام يعني الهروب من أرض الواقع وما دام تكريساً لتلميع صورة الواعظين والمشايخ وما دام قائماً على إظهار الدين الذي ينادون به هو الحقيقة المطلقة ولا حقيقة خارجاً عنه.
إن الإعلام الديني بصورته الحالية شرقاً وغرباً مسؤول عن افلاسه، وبالتالي يعطي المبررات لقيام نوعين آخرين بدلاً عنه، الأول هو الإعلام الجنسي حيث عشرات الفضائيات لا تنشر سوى الصور والافلام الاباحية كسلعة استهلاكية والادوات المنزلية وهي بدورها برسم البيع والسطو على جيوب الناس ـ وهذا الإعلام بكل أنواعه ضد الدين وضد التدين وضد اي مشاعر انسانية اصلاً، والثاني، هو الإعلام الاصولي الذي ينشر اخبار المجاهدين والناحرين انفسهم والقاتلين لغيرهم في سبيل إله صنمي جديد اسمه الاول الموت والثاني الجنة.
الإعلام الديني لا يحتاج إلى واعظين ومشايخ، يحتاج إلى مفكرين ومصلحين اجتماعيين وتربويين ومنظرين في شؤون الناس، ولا يكفي ان تكون هناك برامج تستضيف بعض هؤلاء حتى يصح القول انها تفعل ذلك، انها سياسية إعلامية بالكامل وذهنية إعلامية بالكامل. ولربما كان يمكن تحقيق ذلك لو كان هناك تمويل لهكذا محطات لكن مع الأسف فالممولون للفضائيات الدينية اما يريدون نشر افكارهم السلفية المتشدّدة فيدفعون أو لغايات سياسية يتدافعون. وعليه، يبقى الإعلام الديني يحصد تداعيات أكثر مهما يصل إلى نتائج لخير المجتمع والأمة.
الاب ميشال سبع (استاذ في الإعلام) – المستقبل

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
حقّ الإنسان في حرية الرأي والمعتقد في المسيحية – 2/2

حقّ الإنسان في حرية الرأي والمعتقد في المسيحية – 2/2

بقلم شفيق حيدر – النهار
الله يحترم حرية الانسان
هذه الحرية احترمها الله في علاقته مع الانسان… واستمر هذا الاحترام للحرية الشخصية أثناء حياة يسوع الناصري على هذه الارض. ولقد ورد عند الانجيليين الثلاثة متى ومرقس ولوقا الآية التالية: "ثم قال يسوع لتلاميذه: من أراد أن يتبعني فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني…

 وذكر متى على لسان السيد قوله: "فاذا أردت أن تدخل الحياة فأحفظ الوصايا". وثمة صورة جميلة للإله الملتمس محبة الانسان يوردها يوحنا الانجيلي في كتاب الرؤيا: "هاءنذا واقف على الباب أقرعه، فإن سمع أحد صوتي وفتح الباب، دخلت اليه وتعشيت معه وتعشّى معي". إن الله أعطى الارادة الحرّة للانسان فيمكنه بذلك أن يرفض الله.
وفي القانون 61 من قوانين الآباء الـ217 الذين اجتمعوا في قرطاجة سنة 419 نقرأ: "… لأنه لكل انسان ان يمارس حقه من حرية الارادة وهي هبة من الله…".
حرية ابناء الله
الحرية الانسانية في المسيحية هي هبة من الله ونعمة منحدرة من لدنه لأنه حيث يكون روح الرب، تكون الحرية. هي في الجبلة الانسانية وليس امراً يكتسبه اكتسابا من نظام او امير أو ملك او رئيس، او أيّ تشريع دنيوي من صنع الانسان ونحته. دور الانسان الوحيد ان يعي ذاته كائنا خلقه الله حرا وعليه بالتالي ان يؤهل نفسه والاخرين على ممارسة هذه الحرية. وكما ان من طبيعتي الحرية لأنني امل صورة خالقي، كذلك كل انسان ايضا يحمل هذه الصورة فينعم بالحرية نفسها لانه مخلوق على صورة الله ومثاله. وكانت لنا هذه الحرية لتعتقنا من عبودية الفساد وتحملنا على مشاركة ابناء الله في حريتهم ومجدهم على حد قول رسول الامم بولس.
من هنا تؤكد المسيحية ان الحرية الاساسية مرتبطة بالطهارة، وهي وليدة التشبث بالحق والثبات في كلام الله: فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به: "إن ثبتم في كلامي كنتم تلاميذي حقا تعرفون الحق والحق يحرركم". فالحرية هي في التحرر من الأنانيات والأهواء، من النفس "الامارة بالسوء". من هنا العبودية العمياء هي تلك التي تكون للخطيئة حسبما افصح المسيح لما أجاب تلاميذه: "الحق الحق أقول لكم: كل من يرتكب الخطيئة يكون عبدا للخطيئة". وحسبما يوصينا الرسولان بطرس وبولس، الاول في قوله: "سيروا سيرة الاحرار، لا سيرة من يجعل من الحرية ستارا لخبثه…"، والثاني في تنبيهه اهل غلاطيه: "إنكم قد دعيتم الى الحرية بشرط واحد هو ان لا تجعلوا هذه الحرية فرصة للجسد…". حرية الانسان تعني فيما تعنيه تجدده الدائم وتوبته المستمرة.
والانسان الحر تواق الى المعرفة، ومستعد للخيار بين أمور مختلفة بقرار مستقل، ويتحمل المسؤولية المترتبة على هذا القرار.
الله حررنا. فكيف نستجيب للارادة الالهية؟
ان حق الانسان بحرية الرأي والمعتقد هبة من الله خصّ الانسان بها. هكذا رأيناه. ولكن هذا الحق الإلهي يقابله واجبات يقوم بها الانسان. نحن نعلم اننا لا نستفيد من أية نعمة نازلة من السماء ما لم نقبلها بإرادة حرة. والقبول الأكيد للحرية المعطاة من لدنه تعالى يكون:
1 – في الاقرار بان الآخر حر ايضاً: إذ "الحرية تفترض وجود الآخر في فرادته وبالتالي في مشاركة يقول المطران جورج خضر في كتاب حديث الاحد، ويرى ايضا ان "الحرية قدرة ليست ذات مضمون ولكن بدونها لا ينتقل المضمون من عقل الى عقل… وهي توق الى ان يتخطى الانسان نفسه. ومن يحمل عبء الحرية يقبل الناس اجمعين احراراً وذلك من منطلقاته الايمانية وتعبيراً عن التزامه هذه المنطلقات. ويقبلهم ايضا عقولا يقظة يخاطبها بود واحترام، يحاورها بانتباه وإصغاء، ليترفع الكل بواسطة هذا الحوار المتواضع المحب. ولولا الحرية الشخصية لتحوّل الحوار الى مواقف متاريس وآراء جوامد وموروثات نحجّرها أصناماً تُعبد.
2 – في الاستعداد للخيار بين أمور مختلفة بقرار مستقل. الانسان الحر مدعو الى التفكير العقلاني بمنطق سليم، ويقبل بجرأة فائقة ما يقوده اليه عقله ولو خالف المألوف والموروث وما اعتاد عليه ا و نقله اليه الأدنون. يقرر بالاستقلال التام بين الامور التي تعرض له ويتخذ الموقف الذي يراه مناسبا وهو بالتالي يتحمّل مسؤولية خياره. وتبلغ حرية الانسان مداها الأقصى إذ بإمكانه، واسمحوا لي ان استعمل تعبيرا قريباً من الذي ورد في الكتاب المقدس، ان يكون الله نزيله او طريده.
3 – في تحمل المسؤولية المترتبة على هذا القرار الحر. وطبيعي ان ينتج عن أي خيار نجاح او فشل، فيتحمل الحر مسؤولية ما يقرر. هذا ما تقتضيه العدالة فان توفّق يكلل ويثاب وإن فشل يعاقب.
وأوضح صورة عن مسؤولية القرار رواية سفر التكوين لما اختار آدم معصية الله ان طرد من الجنة فتحمّل نتائج قراره.
4 – في الجهاد الاكبر ضد النفس ومشتهياتها ومصالحها: فمن لا يعرف غيرية مطلقة لا ينعم بالحرية النعمة. ومن لا يتحرر من "اناه " يبق اسيرا ولو لم تكبل يداه ويكم فوه. من هنا كلنا في سعي لا يفتر كي ننعم بالحرية الصحيحة فنمارسها باستقامة.
5 – في السهر على ان تقودنا حريتنا دوما الى الخير: فنعمل على نقل المشيئة الاهلية وترجمتها في الواقع الراهن عدلا وسلاما واحتراماً للآخر وحباً ينسكب دون حد او حساب. وتجدر الاشارة الى ان ترجمة الحرية المسؤولة في الواقع المعيوش وفي الحياة العامة يقوم بها المسيحي انطلاقا من قناعاته الايمانية، بغية زرع السلام والعدل، ويعمل ذلك بالتكاتف مع سواه من مواطنيه دونما النظر الى معتقدهم.
فالحرية في المسيحية اعطيت للانسان لتقوده في الطريق المؤدية الى مشاركة الله في حياته، ولكن باستطاعته وبالحرية نفسها أن يسلك الطريق الاخرى البعيدة كل البعد عن السبل الى الله.
التاريخ والخطايا
وبالعودة الى التاريخ نجد ان المسيحيين، وفي احايين كثيرة، غبرت وما زالت وتستمر، اساؤوا ويسيئون الى الحرية الهبة. وفي هذا السياق يأتي تساؤل الدكتور اسعد قطان على لسان احد الزعماء السياسيين الذين أموا بيروت مؤخرا حين اطلق صرخته المدوية عن: "معنى ان تنحسر الحرية حيث يزدهر الدين وأن يأفل الدين حيث تزخر الحرية" ولقد فات هذا الزعيم ان التمظهر الديني هو غير التدين الصادق. ثمة فرق كبير بين المسيحية والمسيحيين، وهذا يصح ايضا في سائر الاديان والرسالات، هي عندنا نحن المؤمنين منزهة اما خطايانا فهي كثيرة وكبيرة والمسيحية براء منها.
وينتج عن خطايانا ان مارس بعضنا التسلط والتحكم، استعبدوا واضطهدوا الافراد والاوطان، حاربوا الناهدين الى الحرية والثائرين على الموروث واصحاب الافكار الجديدة بالرغم من التعاليم الصريحة التي بينّاها.
ومن اجل تنقية هذا التاريخ صدرت الرسائل وعُقدت المجامع واتت الصرخات المذكرة بضرورة احترام صورة الله في الانسان باحترام حريته. حسبي ان أذكر في هذا المجال المجمع الفاتيكاني الثاني الذي عقدته الكنيسة الكاثوليكية في الستينات من القرن الماضي وفي اشارة صريحة الى الحرية الفردية يربطها بالصورة الالهية، وفي ايضا ادانة صريحة للحملات العسكرية التي قام بها الفرنجة في القرون الوسطى ولمحاكم التفتيش. وفي هذه العجلة ايضا عرفنا، في القرون الاولى، استغلالا لسلطة امبراطور بيزنطية من اجل اضطهاد من خالف الروم في بعض المعتقدات الدينية. فكانت المؤلفات التي لا تحصى والمقالات والدراسات العديدة التي فضحت مخالفة المسيحيين لمسيحيتهم، واعتقادهم بقيمة الانسان وحريته. ان هذا المسعى الاصلاحي النهضوي ازال، الى حد كبير، التشويه الذي الحق بالمسيحية واعاد بهاءها وسلط الضوء على التعليم التقويم.
الخاتمة
من كل ما تقدم بدا واضحا ان المسيحية من حيث تعليمها ونظرتها الاصيلة الى الانسان لا تقر فقط بحقه في ابداء الرأي والمعتقد بل تحمله على ذلك ليحقق في ذاته القصد الالهي من خلقه. كما انها تقر ايضا، وبالقوة نفسها، بأن هذه الحرية مسؤولية يهيىء الانسان نفسه لها بالتطهر الدائم والجهاد الموصول ضد النفس. الحرية والطهارة متلازمان في المسيحية. فالحرية مسعى لا يفتر وحالة تتحقق. والمقصود بهذه الحرية تلك التي تصل بصاحبها الى الله. ولكن تجدر الاشارة الى ان الحرية ايضا مغامرة قد ترمي ممارسها في طريق الشر، هذا ايضا حق للانسان.
• نص القي في المؤتمر الذي نظمه اتحاد الحقوقيين المسلمين في لبنان بالتعاون مع بلدية طرابلس في فندق كواليتي إن.

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).