ما الذي دفع الانسان إلى الكتابة؟ أليس ليقنع نفسه انه موجود؟ الإنسان يشك بنفسه أي براهنيته. الكتابة انتصار على الموت “آخر عدد يبطل هو الموت” (١كورنثوس ١٥: ٢٦). قولة بولس هذه من أفصح ما قيل عن الموت. هو قاتل، هو إبادة الوجود. أتى التوحيد ليفصح أن الموت ليس النهاية. إنه الطريق ان لم تؤمن بهذا أنت إلى يأس مطبق. أتى من قال: “أنا الطريق والحق والحياة” اذ السؤال كان إلى أين الطريق. بهذا وحّد الناصري بين الطريق وغاية الطريق اذ جعل نفسه هذه وتلك.
الإيمان يخلد الإنسان بمعنى انه يكشف له انه باق من بعد موت. الإيمان ان لم يكن اعتقاداً بالانتصار على الموت ليس بشيء. هذا في الحقيقة من طبيعته تحديد. الكتابة محاولة خلود وعند الكاتب المؤمن ليست تعلقاً باستمراره الشخصي ولكن بحقيقة ما يؤمن به. المؤمن مبشر اذ ينقل ما يؤمن به ليملأ ربه الوجود العاقل. هذا ما يسميه الإنجيل ملكوت الله. لا تشك ان الكتابة أتت من خشية الموت. نريد الحقيقة ان تبقى.
نكتب لإيماننا بأن الحقيقة التي نحمل يجب ان تعطى للأجيال أي نؤمن بأنها منقذة للإنسان. الحقيقة في أي منا ليست استلذاذاً. هي مسؤولية. الكاتب رسول. ليس طالب جمال. غاية الكتابة فقط كشف الحق. والأداء وسيلة. الجماليات ثانوية. تنفع ان جاءت من الحق.
أنت تكتب للآخرين أي في المحبة، ليصبح الحب كل شيء فيهم. الكلمة ان لم تنقل تحرك قلب ليست شيئاً. ونحن الذين نعرف وجدانية الشرق لا نفرق بين العقل والقلب. حسب تعليم المتصوفين في كنيستي ان العقل ينزل إلى القلب ثم يصعد إلى ذاته من القلب.
الكثير من الكتابة لغو ان لم تكن كشفا للحقيقة الإلهية فيك وهذه لا تفرقها أنت عن كلامك البشري المحض. لا تقل عن شيء انه حقيقة ان لم تكن مقتنعاً كل الاقتناع انه آتيك من الله. ان لم تلمس ان كلمة أساسية تنطق بها ليست آتية إليك من الله لا تقلها. لا تعجب بنفسك. أنت عاشق الحقيقة فقط.
إن كنت مولعاً بجمال اللفظ على حساب الحقيقة فأنت عاشق لنفسك. اعلم انك مجرد رسول. تنقل حقيقة الله اذا امتلكتك. أنت خادمها لا صاحبها. ان تموت قائلا الحقيقة وشاهداً لها أفضل من ان تحيا وأنت منكرها.
لا تتكلم ولا تكتب ما لم تكن مقتنعا أمام الله بما هو حقيقته. غير هذا لغو. أنت ليس لك شرعية وجود خارج الحق. الحق لا ينشأ منك. أنت تستلمه من الله ومن المحبة وتنقله.
ليس للإنسان لغة غير لغة الله أي حقيقته ومضمونه. غير هذا محاولات تعبير. الاختلاف في الصور ان تكلمنا عن الله. اما الحقيقة فواحدة. في حديثك عن الله وأنت في محبته يمكنك ان تجرد كثر عن الصور ولكن إحرص على ان تلازم الجوهر. يساعدك على هذا كثيراً إن تسلحت بمحبته ومحبة الإخوة. الحديث عن الله ليس في الدرجة الأولى عقليا. انه ترجمة حبك له يفتح لك محبة الإخوة. المحبة تضمن لك وحدها حديث المتعقل عن الله.
النهار