شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الرواية في خطر (1)
الرواية في خطر (1)

الرواية في خطر (1)

لنترك المتشائم تزيفتان توروف وكتابه «الأدب في خطر» جانباً ونسأل سؤالنا الخاص بهدوء: ما الذي يهدّد الرواية؟ إذا كنا قد حسمنا أمر «موت الرواية» باعتبارها جنساً قد تغوّل وتأسطر بشكل يجعل من التبشير بموته عملاً أشبه بالتنجيم المضحك، فإنّ هذه الأبدية التي يبدو أنّ الجنس الروائي قد أمسك بخيوطها لا يمكن أن يحجب عنا ما يتعرّض له هذا الجنس اليوم من أخطار ومآزق قد تجعله يعجّل الدخول إلى عصر الانحطاط. إنحطاط آخر غير الذي وصف به لوسيان غولدمان الرواية بصفتها «بحثاً أصيلاً عن قِيَم أصيلة في واقع منحطّ».ما الذي يدفع بالرواية فعلاً إلى أن تنحطّ إذاً؟ متى تنحطّ الرواية؟ وما الذي يهدّد وجودها الأصيل؟

الرقابة على الكتب في المعارض

تعيش الرواية العربية اليوم أسوأ فتراتها مع الرقابة. وتتمركز هذه الرقابة في عدد من الدول العربية.

إنّ الرقابة التي تهدّد الرواية في المعارض تهدّد وجودها لأنّ تلك المعارض تحوّلت بالنسبة إلى الناشرين السوق المركزية للرواية. فبعض المعارض تحوّل إلى معارض إنقاذ لدور النشر من ديونها، والذي يجعلها تصمد في وجه واقع الأزمة التي يعيشها النشر.

لكنّ الخطر لا يتمثل في الرقابة نفسها بل في تقديم تلك الفضاءات على أنها السوق الكبيرة التي لا تنافس لاستهلاك الرواية من ناحية، وغيابها سيشكل مأزقاً مميتاً للكتاب بشكل عام وللرواية تحديداً، ومن ناحية ثانية يقف على أبواب تلك المعارض رقيب متخلّف يهاجم أجنحة الناشرين يتفقّد منسوب الحرّية في ما يعرض، بل ويهاجم حتى قاعات الندوات أين يقدم الروائيون شهاداتهم ورؤاهم الجمالية.

إنه قدر بعض الدول العربية الذي جعل الناشر العربي يتردّد أمام المخطوطات قبل أن يجيب أصحابها ويفحص درجة جرأتها وحظها من الانفلات من عيون محاكم التفتيش. بل إنّ من الناشرين مَن يذهب إلى التجسّس على صفحات الكاتب ليرى مواقفه من تلك البلدان وأنظمتها قبل أن يجيب على مخطوطة الروائي.

إنّ الرقابة في هذه الفضاءات لم تعد لها بوصلة فالجميع يصادر ويراقب، حتى إنّ الروائي الكويتي سعود السنعوسي الفائز بجائزة البوكر يشفق على الرقابة كمؤسسة رسمية على اعتبار انها هي نفسها تتعرض إلى ضغط من العامة ومن البرلمان.

سعود السنعوسي المتوَّج من الدولة بروايته «ساق البامبو» قبل حصولها على جائزة البوكر تصادَر روايته الثالثة «فئران أمي حصة»، والرقيب نفسه الذي أجاز روايته «ساق البامبو» رغم جرأتها، يمنع روايته الجديدة لأنه تجاوز هامش الحرية المسموح به، فطرح مسألة الطائفية الممنوع التفكير فيها.

القمع: إعتقال الروائيين ونفيهم وإهدار دمهم

لم نتصوّر أنه سيأتي اليوم الذي سيظهر فيه من جديد السيد «سينار» محامي الكاتب غوستاف فلوبير أمام محامي الادّعاء السيد ارنست بينار ليحاكَم روائيّ بسبب ما ارتكبه خياله، ولنكتشف أنّ الخيال ليس حرّاً ولا الفن ولا الأدب. فالشخصيات الأدبية يمكنها أن تحاكَم بسبب مجونها أو كفرها أو أخلاقها الهابطة، وبسبب تعذّر القبض عليها يتحمّل الكاتب المسؤولية ويقضي هو العقوبة فهو خالقها وولي أمرها بل هو شيطانها الذي أوعز لها بارتكاب الفواحش.

كنا نتصوّر أنّ ذلك انتهى مع القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين. لكنّ المحاكم العربية تذكّرنا كلّ يوم بأننا شعوب لا روائية ومازال الوعي الروائي بعيداً منا رغم حصولنا على جائزة نوبل للآداب عن جنس الرواية، ويكفي أن نذكر أنّ محاولة اغتيال نجيب محفوظ بطعنة سكين في العنق تمثل دليلاً صريحاً على أن المنجز الروائي مازال بعيداً من وعينا الشعبي بالرواية كفنّ.

ولئن فلت نجيب محفوظ من السجن فإنّ مواطنه الروائي الشاب أحمد ناجي، الذي ظلّ وراء القضبان أشهراً طويلة لم يفلت من الاعتقال، ليؤكد استمرارية محاكم التفتيش التي تُعقد لتحاكم الأدب والتخييل محاكمة أخلاقية وتعتبر أنّ بعض الأدب جرائم استناداً إلى دساتير تلك البلدان.

كلّ جرم الروائي أحمد ناجي أنه نشر فصلاً من روايته «استخدام الحياة» في جريدة «أخبار الأدب» فتحوّلت تلك الوثيقة دليلَ إدانة له وهذا ما قدّرته النيابة من أمر النص الذي اعتُبرت بعض مشاهده من السلوكيات اللاخلاقية والمشجّعة على الرذيلة، فوجبت معاقبة مرتكبها. هكذا يزجّ برجل الخيال وراء القضبان بتهمة ما ارتكبه من خيال.

إنّ اعتقال الروائيين ليس هو الخطر الوحيد الذي يهدّد الرواية بل إنّ هذا الاعتقال قد يكرّس روائياً يكتب أعمالاً رديئة فنّياً فيكسب ذلك الروائي من وراء الاعتقال شهرة وصيتاً أكبر من حجمه، وليس المقصود هنا أحمد ناجي بل نتحدّث عن الظاهرة بشكل عام وما يمكن أن تفرزه من خطر على المشهد الروائي من طفيليات سجنية.

أليس هذا ما حدث مع الأنظمة الاستبدادية عندما اعتقلت «كتّاباً» سيّئين واكتسبوا بذلك الاعتقال حصانة أمام المؤسسة النقدية التي تضطر كلّ يوم إلى مجاملتهم أو تجنّبهم فيكرّسهم المجتمع المدني وتفرضهم الأحزاب المنتمين إليها أو الإعلام الباحث عن الإثارة فيما يسمى بـ«أدب السجون».

أوليس هذا الأدب أردأ ما في الأداب العربية بسبب الإختراق حتى أصبحت التأشيرة لعالم الأدب ليست النص الأدبي نفسه بل سنوات السجن التي قضاها صاحب الكتاب. (يُتبع)
كمال الرياحي
الجمهورية

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).