شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الصحافة تواجه “أزمة وجودية” في عهد ترامب
الصحافة تواجه “أزمة وجودية” في عهد ترامب
حرية الصحافة

الصحافة تواجه “أزمة وجودية” في عهد ترامب

لم يخطر في بالي على الإطلاق أنه سيأتي يوم أقف فيه على المنبر للدفاع عن حرية الصحافيين الأميركيين وسلامتهم في بلادهم.

حضرة السيدات والسادة، يذكّرنا الكلام الصادر عن (الرئيس الأميركي المنتخب دونالد) ترامب الذي ورد في شريط الفيديو بالخطر الذي نواجهه. في الواقع، كنت آمل بأن يتغير ذلك كله بعدما أصبح رئيساً منتخَباً، وما زلت آمل بأن يتحقق ذلك. لكنني شعرت بالقشعريرة عندما تحدّث في تغريدته الأولى بعد الانتخابات عن “متظاهرين محترفين يتحرّكون بتحريض من الإعلام”.
لقد تراجع لاحقاً عن الجزء المتعلق بالمتظاهرين، لكنه لم يتراجع عن الجزء المتعلق بالإعلام. لم نبلغ تلك المرحلة بعد، لكن هكذا يتصرّف السلطويون أمثال السيسي وأردوغان وبوتين والملالي و(الرئيس الفيليبيني رودريغو) دوتيرتي وسواهم.
جميع الصحافيين الدوليين الذين نكرّمهم في هذه الغرفة الليلة وفي كل عام، يدركون جيداً ما يجري عادة: أولاً يُتَّهم الإعلام بالتحريض، ثم بالتعاطف، وبعدها بالتواطؤ – إلى أن يجد الإعلاميون أنفسهم فجأةً متّهمين بأنهم إرهابيون ومخرِّبون بكل ما للكلمة من معنى. وينتهي بهم الأمر مكبَّلين بالأغلال، في الحجز وأمام قوس المحاكم الصورية وفي السجون – ثم من يدري ما قد يحصل؟
لقد قال أردوغان للتو لزميلتي الإسرائيلية إيلانا دايان إنه لا يفهم لماذا هناك مَن يتظاهر في أميركا، فهذا يعني برأيه أنهم لا يقبلون – أو لا يفهمون – الديموقراطية! وهو يعتقد أن أميركا تحتاج، شأنها في ذلك شأن جميع البلدان العظمى، إلى رجل قوي من أجل تحقيق الإنجازات!
“نداء لحماية الصحافة”
كي تكون أميركا عظيمة، تحتاج إلى صحافة عظيمة تنعم بالحرية والأمان. إذاً كلمتي هذه هي قبل كل شيء نداء لحماية الصحافة في ذاتها.
التزِموا من جديد بإعداد تقارير راسخة تستند إلى الوقائع من دون خوف أو محاباة. لا تقفوا مكتوفي الأيدي فيما تُنعَتون بالمخادعين أو الكاذبين أو الفاشلين. بل تكاتفوا – لأنه إذا انقسمنا فسوف يكون مصيرنا جميعاً السقوط.
قال لي المؤرخ سيمون شاما إنها ليست مجرد جولة انتخابية أخرى، ولا يمكننا التعامل معها على هذا الأساس. ويلفت إلى أنه الوقت الأنسب الآن للاحتفاء بحرية الصحافة وتكريمها وحمايتها والتحرك من أجلها.
في مستهل الحملة الانتخابية، قال رئيس إحدى الشبكات الإخبارية إن هذه الظاهرة قد لا تكون جيدة لأميركا، لكنها جيدة جداً لنا.
خلال مقابلة أجريتها عبر برنامجي الصيف الفائت، سألني المخرج والمؤرّخ كين بورنز ماذا كان [الإعلامي الأميركي] إدوارد ر. مورو ليفعل؟
أولاً، على غرار كثر يراقبون من الخارج، أقرّ بأنني صُدِمت بالمعايير العالية إلى درجة استثنائية التي فُرِضَت على أحد المرشحَين في مقابل المعايير المنخفضة إلى درجة استثنائية التي فُرِضَت على المرشح الثاني.
بدا وكأن الجزء الأكبر من وسائل الإعلام وقع في التشوش والارتباك في محاولته التمييز بين التوازن والموضوعية والحياد، والأهم من ذلك كله، الحقيقة.
لا يمكننا مواصلة النموذج القديم – كما في حالة الاحتباس الحراري مثلاً – حيث يُمنَح 99.9 في المئة من الأدلة العلمية المثبَتة بالتجربة حيّزاً مساوياً لذاك الذي يُمنَح لأقلية ضئيلة من مُنكري الاحتباس الحراري.
لقد تعلمت قبل وقت طويل، خلال تغطية التطهير العرقي والإبادة في البوسنة، أنه لا يجب أبداً مساواة الضحية بالمعتدي، ولا إقامة تكافؤ خاطئ في الأخلاق أو الوقائع، لأنك تصبح عندئذٍ متواطئاً في الجرائم والتداعيات الشديدة الفظاعة.

“كفى تسخيفاً للحقيقة”
أؤمن بأنه يجب أن نكون أمناء للحقيقة، لا محايدين. وأؤمن بأنه علينا أن نكفّ عن تسخيف الحقيقة. وعلينا أن نكون مستعدّين للنضال بقوة من أجل الحقيقة في عالمٍ حيث أعلن قاموس “أكسفورد” للغة الإنكليزية أن كلمة العام 2016 هي “ما بعد الحقيقة” (post-truth).
يجب أن نقرّ بأن وسائل التواصل الاجتماعي التي أذعنّا لها صاغرين تفوّقت علينا.
لقد قام المرشح الفائز بمناورة ذكية للالتفاف علينا وتوجَّه مباشرةً نحو الشعب. يُضاف إلى ذلك التطور الأكثر إثارة للذهول والمتمثل في تسونامي المواقع الإخبارية المزيّفة – أي الكاذبة – التي لم يستطع الناس بطريقة ما التعرف عليها أو التأكد من صحتها أو تجاهلها.
يقول أحد الكتّاب الأساسيين لهذه المقالات المزيّفة – هذه الأكاذيب – إن الناس يزدادون غباء، فينشرون تقارير خاطئة من دون التأكّد من صحتها. علينا أن نسأل إذا كانت التكنولوجيا قد تفوّقت في سرعتها على قدرتنا البشرية على مواكبتها. وينبغي على المعلِنين مقاطعة المواقع التي تلجأ إلى الأكاذيب.

هل يواجه الصحافيون “أزمة وجودية”؟
يقول وائل غنيم، أحد آباء “الربيع العربي” المسمّى ثورة وسائل التواصل الاجتماعي: “الوسيلة نفسها التي تنقل بفاعلية شديدة رسالة تغيير صارخة يبدو أنها تقوّض أيضاً القدرة على تحقيق التغيير. تضخّم وسائل التواصل الاجتماعي النزعة البشرية إلى إقامة روابط مع الجنس البشري. وتميل إلى تقليص التحديات الاجتماعية المعقّدة وتحويلها إلى شعارات تعبوية يُردّدها كما الصدى الأشخاص الذين يتماهون في تفكيرهم، بدلاً من الانخراط في الإقناع والحوار والتوصّل إلى إجماع. يَظهر خطاب الكراهية والأكاذيب إلى جانب النيات الصادقة والحقائق”.
أشعر بأننا نواجه أزمة وجودية تشكّل تهديداً لمعنى مهنتنا وفائدتها.
الآن أكثر من أي وقت آخر، علينا أن نلتزم بإعداد تقارير حقيقية وسط أمةٍ حقيقية وفي مختلف أنحاء عالمٍ حقيقي حيث تواجه الصحافة والديموقراطية خطراً قاتلاً، بما في ذلك من القوى الأجنبية على غرار روسيا التي تدفع المال لتلفيق أخبار كاذبة ونشرها، وتقوم بقرصنة النظم الديموقراطية هنا، وربما في الانتخابات الحاسمة المقبلة في ألمانيا وفرنسا.
سأورد بإيجاز حادثة حصلت معي: في الانتخابات الإيرانية عام 1997، فاز المرشح الإصلاحي، وقد شكّل ذلك صدمة كبيرة لأئمة الإستابلشمنت الذين سألني أحدهم لاحقاً كيف كنت متيقّنة إلى هذه الدرجة ومتى عرفت أن خاتمي سيفوز في الانتخابات. فأجبته، ما إن نزلت على الأرض وبدأت أتكلم مع الناس!

مواجهة “عالم ما بعد القيم”
علينا أن نناضل أيضاً ضد عالم ما بعد القيم.
ودعوني أتوقّف عند رد الفعل النخبوي الشديد الذي نبذل جميعنا قصارى جهدنا للتكيف معه. منذ متى كانت القيم الأميركية قيماً نخبوية؟ هي ليست قيماً يسارية أو يمينية. ليست قيم الأغنياء أو الفقراء، ولا قيم المنسيّين.
لقد تعلّمتُ، على غرار عدد كبير من الأجانب، أنها قيم كونية. إنها قيم جميع الأميركيين من الأكثر اتضاعاً إلى الأرفع مقاماً. إنها الأساس الجوهري للولايات المتحدة وركيزة القيادة العالمية الأميركية. إنها علامة أميركية مسجّلة. إنها أعظم ما تصدّره أميركا وهديتها الأعظم إلى العالم.
إذاً نعم، على غرار كثر حول العالم، لقد أصبت بالصدمة – قلّة قليلة تخيّلت أن هذا العدد الكبير من الأميركيين الذين مارسوا واجبهم المقدّس في حرمة غرفة الاقتراع من خلال ورقة الاقتراع السري، يتملّكهم الغضب إلى درجة دفعتهم إلى تجاهل فظاظة اللغة الشديدة، والسلوك الجنسي المفترس، وكره النساء العميق، والآراء المتعصّبة والمهينة.
قال الحاكم ماريو كوومو إنَّ الحملة الانتخابية تُشَنّ بواسطة الشِّعر، أما الحكم فيُمارَس من طريق النثر. لعل العكس سيحدث هذه المرة.
إذا لم يحصل ذلك، سأناضل انطلاقاً من موقعي كصحافية – وهذا ما يجدر بنا جميعاً أن نفعله – للدفاع عن منظومة القيم الفريدة التي تصنع الولايات المتحدة وحمايتها، والتي تسعى بلادنا من خلالها إلى التأثير في العالم.

“النضال ضد تطبيع ما هو غير مقبول”
يقول المقدّم الإذاعي المحافظ الذي قد يصبح المسؤول الإعلامي العتيد في البيت الأبيض إن وسائل الإعلام الأساسية مناهضة للقيم التقليدية.
أما أنا فأقول إن العكس تماماً هو الصحيح. وهل قرأتم عن الاجتماع الذي أُطلِقت فيه هتافات النصر في واشنطن في نهاية الأسبوع الماضي؟ لماذا لا يُنشَر مزيد من التقارير عن الصعود الخطير لأقصى اليمين هنا وفي أوروبا؟ منذ متى لم يعد عداء السامية محك الاختبار الحاسم في هذه البلاد؟
علينا النضال ضد تطبيع ما هو غير مقبول.
قبل أسبوع من استفتاء “بريكسيت” المحموم في المملكة المتحدة، تعرّضت النائبة البريطانية الجميلة والشابة والمتفائلة والمثالية والشغوفة جو كوكس، التي كانت من المؤيّدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، لإطلاق نار وطُعِنت حتى الموت على يدَي مهووس راح يهتف “بريطانيا أولاً”. كانت متعاطفة جداً مع محنة اللاجئين السوريين. وقد ذُكِر في الإفادات التي أدليت أمام المحكمة أن المتّهم كان قد بحث عن معلومات عن فرق الحماية النازية ومنظمة “كو كلوكس كلان”. قبل بضعة أسابيع فقط، كان زوجها براندون الذي يهتم الآن بتربية طفلَيهما الصغيرين، قد توسّع في حديثه معي عن مقال كتبه: “ينبغي على القادة السياسيين والناس في شكل عام أن يأخذوا على عاتقهم مسؤولية التكلم جهاراً ضد التعصب. إذا لم يقف الوسط في وجه الزحف الغادر للتعصب، يُظهر التاريخ أن الكراهية تسلك سريعاً طريقها نحو التطبيع. فالتزام الصمت بدافع المنفعة السياسية أو بسبب الارتباك الاجتماعي يمكن أن يتحوّل سريعاً تواطؤاً مع شيء أسوأ بكثير. وقبل أن نتنبّه للأمر، يكون قد فات الأوان”.
إذاً لننتقل الآن إلى الحلول.

دور الإعلام في العالم
بطريقة ما، يجب أن تنتهي حرب الاستنزاف في هذه البلاد. لقد رأيتم جميعاً نتائج هذه الانتخابات. إنها متقاربة جداً. الأمة شديدة الانقسام، وغاضبة. هل سنستمر في وسائل الإعلام في تأجيج تلك الحرب – أم أننا سنأخذ نفَساً عميقاً وربما نجري إعادة ضبط؟
الأمر مهم أيضاً بالنسبة إلى الخارج. الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، سواء كان ذلك للأفضل أم للأسوأ. وعلى المستوى الثقافي أيضاً. فالنموذج السياسي وكذلك النموذج الإعلامي اللذان نرسم معالمهما هنا سرعان ما يتم التمثّل بهما، وينتشران في مختلف أنحاء العالم.
يمكننا نحن الإعلاميين أن نساهم في منظومة أكثر وظيفية أو في تعميق الخلل السياسي. أيُّ عالمٍ نريد أن نترك لأولادنا؟
لقد حُشِرت السياسة في زوايا حزبية سامّة ومسبِّبة للشلل، حيث تُعتبَر الاختلافات السياسية جريمة، وحيث تعني لعبة الغالب والمغلوب أنه كي أنتصر أنا، يجب أن تُدمَّر أنت. ماذا حلّ بالتسوية والقواسم المشتركة؟
الدينامية نفسها أصابت بعدواها شرائح نافذة في الإعلام الأميركي. تماماً كما حصل في مصر وتركيا وروسيا حيث دُفِع الصحافيون نحو زوايا حزبية سياسية – فجُرِّدوا من الشرعية واتُّهِموا بأنهم أعداء الدولة.

امنعوا استخدام الصحافة سلاحاً
لقد باتت الصحافة في ذاتها تُستخدَم سلاحاً. علينا أن نوقف ذلك. ينتظرنا جميعاً عمل كثير: التقصّي عن الممارسات الخاطئة، ومحاسبة المسؤولين، والمساهمة في نزاهة الحكم، والدفاع عن الحقوق الأساسية، وتغطية أخبار العالم – روسيا، وسوريا، والنووي الكوري الشمالي. ألا يمكن أن تكون هناك خلافات بيننا من دون أن يقضي واحدنا على الآخر؟ فلنناضل في مهنتنا من أجل الحق والصواب. فلنناضل من أجل قيمنا. تقع أمور سيئة عندما لا يحرّك الأخيار ساكناً. يقول عضو الكونغرس جون لويس، القيادي العظيم في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية: “يقع على عاتق الشباب والأشخاص الذين تخطّوا قليلاً مرحلة الشباب واجبٌ أخلاقي ومهمةٌ وتفويض تستوجب عليهم التورط في متاعب حميدة”. إذاً هيا بنا لنتسبب ببعض المتاعب. وفي شكل خاص، هيا نناضل كي يبقى لمهنتنا معنى وفائدة. بوحي ربما من عطلة نهاية الأسبوع الطويلة، فلنعقد العزم بأننا لن نتخذ خيارات انتحارية مثل ديوكٍ رومية تُصوِّت لعيد الشكر!
كريستيان أمانبور “سي أن أن”
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).