أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الكاتبة الفرنسيّة نتالي أزوليه لـ”النهار”: أفصحتُ عن الجانب المظلم جداً في الأمومة
الكاتبة الفرنسيّة نتالي أزوليه لـ”النهار”: أفصحتُ عن الجانب المظلم جداً في الأمومة

الكاتبة الفرنسيّة نتالي أزوليه لـ”النهار”: أفصحتُ عن الجانب المظلم جداً في الأمومة

لا تتحفّظ الكاتبة الفرنسيّة نتالي أزوليه عن الإفصاح عن شغفها باللغة والكتابة فتجعل الأولى ترفد الأخرى لتكتمل الجدارية التأليفية عندها من دون هنات أو نواقص. كانت رواية “تيتوس لم يكن يحبّ بيرنيس” مدخلها إلى نيل جائزة “ميديسيس” قبل نحو عام، وأتت بإشارة جليّة إضافية على رغبتها في تكريم إرث فرنسا الثقافي. لبنان الذي استبقى هذه الرواية ليمنحها “جائزة غونكور- خيار الشرق”، قبل عام، يستقبلها في 2016 في سياق “معرض الكتاب الفرنكوفوني” في بيروت وهي المدينة التي زارتها في سن مُبكرة في رفقة والديها وتعرّج عليها اليوم كاتبةً.

■ في لقائها مع لوبولدينا بالوتا ديلا توري أقرّت الكاتبة مارغريت دوراس انها لم تستطع التحرّر سوى عبر فكرة الإنتحار أو الكتابة. فكيف تصفين علاقتك بالكتابة؟ تقولين لـ”فرانس كولتور” ان الرواية عندك هي طريقة لرسم مسافة مع الواقع بغية فهمه. تبدو مقاربتك عقلانية أكثر منها غرائزية.
– أظنّها عقلانيّة وغرائزية في آن واحد. حسبي ان ثمة في الكتابة عندي جانباً تأمليّاً وتأملياً ذاتيا يقوم على العودة إلى النفس وإلى الحوادث والعلاقات والواقع، ناهيك بوجود سمة مهمة أخرى أيضاً تخصّ الحسيّة والحدس، وهذا أساسي في مقاربتي وفي كتابتي أيضاً. والحال ان الكتابة عندي إنعكاسية جدا وحسية وحدسيّة للغاية أيضاً.

■ هذا واضح في روايتك “أم مضطربة” التي ولدت من مشاعر شخصيّة جدا ومن القلق الذي استبد بك بعدما صرتِ أمّاً…
– أجل، يقترض هذا الكتاب الكثير من السيرة الذاتية وأتى في أعقاب إختباري الأمومة وبعدما تبيّن انها تجربة أساسية للغاية ومرهقة ومباغتة جداً. قمت بالتنقيب في إطار الأمومة عن الجوانب المُظلمة والمسبّبة للقلق ناهيك بالمسؤولية التي تلقيها على عاتق الأم، فضلاً عن الإضطراب المرافق لهذه العلاقة العميقة للغاية والمعذّبة للنفس واللاذعة أيضاً. في الرواية ألقيتُ نظرة ترصد النواحي المتناقضة التي تكتنفها الأمومة والإلتباسات المنوطة بها. لقد تجاسرتُ على الإفصاح عن الجانب الشديد الظلمة في تجربة الأمومة.

■ في النص، تكتشف بطلتك “هي” يوميّات الأمومة. يجعل الإنجاب أي امرأة تواجه خوفها العميق من الموت، فكيف هي الحال عند الإنجاب المزدوج: الأول جسدي والثاني على الورق. هل أتتك تجربة الكتابة بالهدوء أو الإضطراب؟
– لا أظنّ التجربة تجلب الهدوء بل يصير المرء من جرائها أكثر وعياً وتماشياً مع الواقع. ليست الكتابة مواجهة علاجيّة البتة، ذلك انها لا تؤدي إلى تهدئة أي شيء أو إلى التحرر من أي شيء، ولا تجعل الشخص المعنيّ يتخطّى المشكلات، لكنها في المقابل تمدّه بمقاربة جديدة للمسائل، وهذا ضروري لأنه ينتج قدرة على التفهّم. ليست كتبي علاجية.

■ نالَت روايتكِ “تيتوس لم يكن يحبّ بيرنيس” جائزة “ميديسيس” 2015، وهي بمثابة جولة في منجز راسين الذي يتضمّن “أندروماك” و”بيرنيس” وسواهما. تكتبين أن أي شخص يقتبس راسين يتيّم تلقائياً بفرنسا. فهل روايتك نشيد حبّ لفرنسا الثقافية المنصرمة؟
– لا أعرف إذا كانت نشيد حبّ لفرنسا المنصرمة، لكنها بلا شك نشيد وتحية أوجههما لهذه الثقافة التي أقدرّها كثيراً والتي لم تكن تلقائية أو عفوية في حالتي، ذلك اني اضطررت إلى اكتسابها ولا أزال أكتسبها حتى اليوم، نظرا إلى ان راسين جبل شاهق. يحمل كتابي هذا البعد الذي لم يكن ضمن الأبعاد الأولى، لأن ما اجتذبي بداية كان هذا المنجز، فضلاً عن اللغة وتوصيف الحبّ والأنوثة، ناهيك بالغموض. بعدذاك اكتشفت ان ثمة ما يكمن خلف هذا المنجز ويشبه المعلم الوطني. أدركتُ ان هذا المنجز ليس كغيره وان راسين هو فرنسا. توجّه الرواية تحية كبيرة له.

■ تسرد روايتك حالة حزن عاطفيّة محورها بيرنيس وتيتوس في صيغة اليوم. تصفين راسين بـ”سوبرماركت الحزن العاطفي” لأن في رصيده بطلات يتعرضّن للهجر مثل بيرنيس وإيستر التي منحت هويتها لإحدى مسرحياته وحيث يرد “المآسي مترابطة كسلسلة”. فهل توافقين على هذه المقاربة؟
– طبعاً. ذكرتُ ان راسين هو “سوبرماكت الحزن العاطفي” وهذه جملة مستفزّة أدركت انها ستلفت الأنظار والإهتمام. تقصّدت أن أكتبها لأني علمتُ خلال إطلاعي على منجز راسين انه يتبنّى جميع أشكال الحب وان حالة الحزن العاطفي تستدعي علاجا دائماً، فنروح نبحث في كل مطرح وفي علاقات الآخرين وفي أفلام السينما وفي الأدب وفي الموسيقى وسواها عن وسائل للتهدئة وعن صدى لحالتنا يكون بمثابة تسكين في المحصلة بغية أن يقتنع المرء بأنه جزء من مجموعة كبيرة وانه ليس الوحيد المعني بهذا الأسى. بيرنيس، في الرواية، تقارب رصيد راسين على هذا النحو، معتقدة ان حزنها سيتقلّص ما إن تعتنق ما يشبهها فيه. والحال انه يجعلها أقل وحدة.

■ تستهلّين روايتك بجملة لسيوتون “لم يلبث أن أبعد تيتوس الملكة بيرنيس عن روما رغماً عنه وعنها”، يقابلها قولك “يحبّ تيتوس بيرنيس ويهجرها”. تتجاوزين الفاصل الزمني بغية أن تجمعي نماذج بيرنيس المختلفة. فهل ثمة تناقض أو تشابه بين هذه المرأة بصيغة راسين وبصيغتك؟
– وجدتُ تشابهاً كبيراً بين هاتين الشخصيتين النسائيتين. في الحكايتين على سبيل المثل، هناك شخص يتّخذ القرار نيابة عن شخص آخر. أجريتُ مشابهة قد تكون جريئة بعض الشيء وأتحمل مسؤوليتها تماماً حين قارنتُ بين الزواج والعائلة وبين الأمبراطورية، فجعلت روما عمارة زوجيّة. عند راسين، لا تنهار بيرنيس، أما حكايتي فتبدأ مع انهيار هذه المرأة فنراها مستلقية وغير قادرة على النهوض. ينهي راسين عمله المسرحي في لحظة هجران بيرنيس حيث تظلّ واقفة، بينما تميل المقاربة المعاصرة إلى جعلها تنهار لأن لا قدرة لأحدهم على تحمّل ثقل هذا الموقف. ثمة اختلاف في المقاربتين، بين حالتي الإنهيار وغياب الإنهيار.

■ تتصرّفين بشخصية راسين فتسمّينه جان وتصفينه في صورة طفل تتناقض مع صورته العلنيّة الجامدة. كأنك تنجزين تحقيقاً حول الإبتكار لتفهمي المبتكر. يكتب ألان روب غرييه في “المرآة العائدة”: “لم أتحدّث يوماً سوى عنّي”. فكيف بدا راسين في نصك؟ هل تراءى الرجل موازياً للكاتب؟
– لا أعرف ذلك تماما، لكن ما أعرفه هو اني أردتُ أن أجري تحقيقا في شأن كاتب لا يشبهني في المبدأ ليتراءى انه يشبهني، في المحصلة. تلائمني جملة روب غرييه تماماً، ذلك ان اجراء أي تحقيق عنه يوازي أن أجري تحقيقاً عني. عدتُ إلى مختبر الطفولة لأحاول أن أفهم كيف يتشكّل البناء اللغوي وكيف تنطلق العلاقة مع الشِعر ومع العالم من خلال بعض الأحاسيس والمقاربات، وكيف يجري التعلّق بالكلمات والنغم. أجري هذا التحقيق متسللةً إلى ذهن راسين ومن وجهة نظره، وأسمّيه جان لأنه ليس راسين بعد، أي مثال المنجز المكرّس كما نعرفه راهنا. في تلك الحقبة انه الطفل جان الذي لم يتحدد مستقبله بعد. يحاول أن يبني نفسه كمبتكر لكن ربما لن يصل إلى مبتغاه. أسمّيه جان ليشبه جميع الأطفال الآخرين. أسمح له تالياً بأن يكون على صورة المبتكر المجهول والكوني على السواء. أسمح له بأن يشبه المبتكر في حقبته وفي حقبتنا على السواء، وبأن يكون هو وأنا والآخرين أيضا. ها هنا أقارب راسين كنموذج في طور التكوّن أصفه وهو يتغذّى من اللغة ومن المعرفة ومن الروحانية واللغات القديمة ومن العلاقة مع الطبيعة التي تشكل أسس ابتكاره.

■ “بيرنيس” عمل مسرحي وزّعه راسين في خمسة فصول ويتمحور على ثلاث شخصيات. أما روايتك فبنيتها كفصول من عمل تراجيدي. يتردد ان القدماء على حداثة لافتة، فهل لاحظت ذلك، وما هي المعايير الكتابيّة عند راسين التي بدت لكِ غير ملائمة للكتابة المعاصرة؟
– لا شك في أن البحر الفرنسي الطويل بات غير مستعمل وغير معاصر، أما البعد الإختزالي والإقتصاد على مستوى عدد الشخصيات وضآلة الحبكة – نظراً إلى أن المسرحية تتمحور على حالة هجران فحسب – فهذه سمات أحسبها لا تزال شديدة المعاصرة. ردّد راسين وكثيرون من بعده انه أراد لهذه المسرحية أن تستند إلى اللا شيء وأن تتشبّع من قدرة أسلوبه فحسب، وهذا كان هدفه. وبما ان الإبتكار ينطلق بدءا من اللاشيء فإن المبتكرين الحديثين، وراسين هو أحدهم، يرغبون في أن يجعلوا اللاشيء يتلألأ ويريدوننا أن نشعر بذلك. حاولت القيام بالأمر عينه، وإن لم أكتفِ بثلاث شخصيات، غير ان ثمة بساطة وتنقية أردت إنجاحهما إلى النهاية، من خلال الإعتماد على قدرة الأسلوب. لهذا السبب اكتفيتُ بكرونولوجيا حياة راسين، من دون إضافة أي مفاجآت. أردتُ أن أسرد هذه الحياة على نحو يجعل القارئ ينتقل إلى هذه المرحلة البعيدة جدا زمنياً والتي تشكّل صدى لحياتنا.
رلى راشد
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).