أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | “شراكة وتواصل” بقلم الأب هنري كالديلاري
“شراكة وتواصل” بقلم الأب هنري كالديلاري
صلاة عند تمثال المسيح الفادي على قمة جبل كوركوفادو في ريو دي جينيرو – البرازيل

“شراكة وتواصل” بقلم الأب هنري كالديلاري

إني أعلمكم بكل ما سمعته من أبي” (يو15،15).

لا يمكننا أن نعيش بتناغم وشراكة بعضنا مع بعض دون أن ننقل انطباعاتنا ورغباتنا والمعلومات التي بحوزَتنا وكل ما يحيينا ويشغل بالنا وبثير قلقنا. وكلّما قلّ التواصل في ما بيننا ازداد التخاطب الخالي من المعنى. فبالرغم من أن وسائل التواصل باتت تتضاعف إلى ما لا نهاية، يتبيّن أنه لم يسبق لإنسانٍ ان يشعُرَ بنفسه معزولا إلى هذه الدرجة.

صحيحٌ أنه على اتصال مع العالم أجمع، الاّ أنه يفتقد الى من يتكلّم معه. فالتواصل يحتاج الى أمرين: لسان للتعبير وأذن تَسمع وتصغي، وهذا لم يكن سهلا على الدوام إذ إن هذين الشرطين نادرا ما يجتمعان في الوقت نفسه. فاما أن نَسمع دون ان نُصغي أو نتكلم دون ان يُصغى إلينا، أو ألاّ نَسمَعَ بعضُنا بعضا فنتكلم جميعُنا في وقت واحد، فتأتي النتيجة حتميَّة بفقدان التفاهم. وبهذا تتزعزع الشراكة.

لا يجوز الخلط بين التواصل وتبادل الكلام. فعالمنا لم يعد يُحسن التواصل في حين نجدُه ينهار تحت وفرة المعلومات.

يسوع هو خبير في التواصل. يُحسن فن التكلّم وتمريرَ الرسالة الى من يريدُ سماعها. وقد استعمل كافة الوسائل التي كانت متوفِّرة في عصره ليُخاطب ويُفهَمَ من الجميع. لم يعتمد تقنياتٍ كالتي نعرفها اليوم، بل انسانيته وصفاته البشرية لايصال مشيئة أبيه الذي هو وإياه واحد.

كل ما في كيانه كان ينقل اللاّمرئي: نظرتُه، حركاته، حضوره، أفعاله، أقواله. أمّا مفتاح إمكانية هذا التواصل غيرِ العاديّ، مصدر الشراكة بينه وبين المؤمنين، فيكمُن في حقيقة أن هناك تجانسًا مطلقا بين ما يقوله وما يقوم به، تجانسًا يتجذّر في شراكته الكاملة مع الآب. وما ينطبق على يسوع ينطبق علينا أيضًا. بقدر ما نحن متّحدين به وننقل “حقّا” ما نحن عليه وما تلقَّيناه منه، نساهم في اقامة شراكة وثيقة ومتينة في ما بيننا وفي ازديادها دون حدود. إن ما يُحسب له حساب في الشراكة، ويتعدّى الوسائل التقنية وفاعليتها – رغم انه لا يجوز تجاهل تلك التقنيات، بل على العكس تماما – إنما هو نوعيَّة المتّصل أو الشاهد. فما من شيء يساوي الشهادة والالتزام الشخصيَّين، وتكون الوسائل في خدمة الرسالة التي ينبغي نقلها وليس العكس…

وماذا عن دور المحبّة في هذا الموضوع؟

هي المُكمِّل الذي لا غنى عنه للتواصل الصحيح. لقد قال القديس فرنسيس سالوس: “كل حقيقة غير رحومة هي رحمة غير حقيقية”. الحب يدفع بنا للتواصل بالحق وببساطة. أما الحقيقة لوحدها، أو البساطة من دون رحمة، فقد تجرح وحتى تُعطّل التواصل. الرحمة تدعونا لكي نكون دقيقين باختيار الوقت الأنسب لنقول ما نريد قوله، ولنستعمل الكلمات ونبرة الصوت الأفضل لإيصاله دون سلبيات. الهم الأول لكلِّ متواصل هي أن يأخذ بعين الاعتبار قدرة الآخر على استيعاب الرسالة أو المعلومات التي تعنيه. لا يكفي أن نقول الأشياء إنما أن نتأكد من أنها  ستُستوعب بالطريقة الأنسب: “ما هو الأهم، قال لي أحد الآباء، ليس ما تقوله إنما ما يَفهمه الآخر وكيفية وقعه عليه”. يفترض هذا ان نتنبّه للآخر وليس فقط لحاجاتنا. في بعض الأحيان نتواصل مع الآخر بشكل سيّئ إما لأننا مستعجلون وإما لأننا نكتفي بأن نؤكد على أحقّية أرائنا بهدف “فشِّ خلقنا” وتهدئة غضبنا وقلة صبرنا، وإما، أخيرا، لأننا لا نأخذ الوقت الكافي للصلاة واستلهام الروح القدس قبل أن نتكلّم. (يو6، 3: أمضى يسوع ليله يُصلي قبل أن يُعلن سرّ القربان).

أخيرا هناك الحوار: “إنه الوسيلة الأنجع لتحريك وتحقيق أفضل الشروط للتواصل وتمتين الوحدة بالمحبّة. أنه عنوان المرحلة القادمة: التواصل بالحوار.

تعليق:

لدقّة أكثر نقول: “التواصل بالحوار المحب”. وما الذي يميّز الحوار المحب عن غيره؟ إسقاط الأحكام المسبقة والتخلي عن الشروط المرتبطة بها والاستعداد المسبق للتخلي أيضا عن بعض حقوق الأنا الذاتية التي عطّلت التواصل في سبيل نموّ الـ”نحنُ المشترَكة” التي تحييه”.

ترجمة حرّة لبعض من مقال “Communion et communication” للأب هنري كالديلاري (رسل القلب الأقدس)

ترجمة الدكتور إيلي مخول. تنقيح وتعليق الأب د. ميشال روحانا.  

مكتب التحرير

 

عن ucip_Admin