أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | لماذا رحل كريستوف كولمبوس الى أميركا؟ بقلم د. ايلي مخول
لماذا رحل كريستوف كولمبوس الى أميركا؟ بقلم د. ايلي مخول

لماذا رحل كريستوف كولمبوس الى أميركا؟ بقلم د. ايلي مخول

ما الذي يقف وراء اكتشاف أميركا؟ بداية هناك جملة أخطاء حسابية مؤثّرة. هل كان كريستوف كولمبوس أقل عصرية مما يعتقد؟ على أي حال ان مشروعه، على جرأته، يندرج في التقاليد التي سادت العصور الوسطى.

يُفترض أن رحلة كولمبوس وتوقيتها 1492 قد جاءت – كما ذكرت الكتب – تدقّ ناقوس مأتم الألف سنة من العصور الوسطى، وتدشّن تلك الأزمنة التي يقال انها “حديثة”. لكن اذا سلّمنا بأن الإكتشافات الكبرى لها سابقات مهمة لا سيما مع الإستطلاعات البرتغالية للشواطئ الأفريقية خلال القرن الخامس عشر، يظل أمير البحر رجل القطيعة: ألم يحقق، بتسليمه مفاتيح الطريق الأوقيانية، ذلك الأثر الفني “الجديد وغير المطبوع” الذي احتفل به الراهب الدومينيكاني الإسباني برتولومي دي لاس كازاس، نصير الهنود النشيط ضد طغيان الغزاة الإسبان والمدافع المتحمّس عن المأثرة الكولمبية البطولية؟

الواقع أن رحلاته الأربع تمهد الى ربط دائم بين القارة الأميركية والعالم الأوراسي (والأفريقي) له تداعيات تاريخية هائلة. السؤال: هل ان كريستوف كولمبوس هو بطل الحداثة الميال الى النزعة العقلانية لعصر النهضة، أم أنه سائح اهتدى بالمعرفة التي صنعت أثناء العصر الوسيط؟ وهل ان المغامرة الأميركية ألقت بالتاريخ في حقبة جديدة أم هي تشكل تضخيما للدينامية الخاصة بالقرون الوسطى؟ يكفي القول ان شخصية كولمبوس المفصلية هي مناسبة لإعادة التفكير في القطيعة، نهاية القرن الخامس عشر، بين العصر الوسيط والأزمنة الحديثة، الراسخة في النظرة الغريبة للتاريخ والقابلة للنقاش. لقد هدأت الحروب الكلامية حول أصوله (البرتغالية؟ الكشتالية؟ اليهودية؟) ولم يعد هناك من شك اليوم في أن كريستوف كولمبوس ولد في جنوى 1451، حيث تعاطى والداه، المنحدران من قرية داخلية، مهنة الحياكة. بيد ان هذا الإبن الريفي – بحكم الواقع البحري المحيط به – تدرب في سن مبكرة على الملاحة في ظروف لا تزال مجهولة. ولم يكن قد بلغ العشرين عندما توجه الى جزيرة كيوس اليونانية الواقعة في بحر إيجيه، المستعمرة الجنوبية التي أكسبها الصمغ المصطقي أهمية كبيرة.

ثم كانت السنوات البرتغالية بين 1476 و1484. إن اختيار كولمبوس للبرتغال ليس فيه ما يدهش بالنظر الى دور البحارة الجنويين في التوسع البحري لذلك البلد (الذي كان أول من وصل الى جزر أسورُس مطلع القرن الرابع عشر). زد على ذلك أن الأسطول البرتغالي كان، على مدى قرن كامل، بقيادة أمراء الحرب الجنوبيين. في لشبونة التقى كولمبوس شقيقه بارتلِميوس الذي يعمل واضع خرائط. ولم يمض وقت طويل حتى تزوج فتاة من نسب عريق يتولى والدها حاكمية احدى جزر أرخبيل ماديرا. أقام الزوجان هناك بضع سنوات، ما ساعد كولمبوس في اكمال معارفه بالملاحة الأطلسية. فأخذ يضاعف من رحلاته التجارية حتى بلغ حصن مينه الذي بناه البرتغاليون في خليج غينيا، حيث تمرّن على العمل في المناطق الإستوائية والتواصل مع سكان مجهولين.

 

ملآّح مجرّب وانسان فضولي

لدى عودته الى لشبونة عمد كولمبوس الى الإتصال بأوساط المعرفة الحريصين على الأخبار كافة التي تحملها السفن العائدة من الشمال الكبير أو من أفريقيا. بالإختصار، لقد جعلت البرتغال منه ملاّحًا مجرّبا وإنسانا فضوليا، يكثر من المطالعة ويتأثر بأفضل الأخبار المتوافرة.

من المنطقي جدا أنه خصّ ملك البرتغال يوحنا الثاني بتقديم مشروعه الكبير عام 1484: الوصول الى الهند، لا بالإلتفاف حول أفريقيا كما حاول البرتغاليون، بل بالإبحار نحو الغرب في وسط المحيط.

رفض الملك ومضى كولمبوس الى لشبونة. وبعد سنتين عرض الإقتراح عينه على فرديناند الأرغوني وإيزابيل القشتالية والملوك الكاثوليك فلقي الرفض ذاته. وإذ كان محكومًا بانتظار ايام أفضل، لم يدّخر جهدا لتحسين مجموعة أدلّته والبحث عن دعائم ذات مكانة.

أخيرا، وبعد مغامرات عدة قبل الملوك الكاثوليك بالمشروع. حتى انهم رضخوا لمطالبه المادية كافة. وفي 17 نيسان 1496 منحته أحكام “سانتا في” لقب أميرال ووظيفة حاكم الوراثية ونائب ملك الأقاليم التي يمكن اكتشافها فضلا عن مختلف الإمتيازات كتحصيل عُشر مجمل الثروات التي قد يعثر عليها.

مضى كولمبوس الى بالوس، وهو مرفأ أندلسي صغير، لتعبئة طواقمه وتجهيز سفنه. وفي 3 آب 1492 أقلعت مراكبه الثلاثة السريعة سانتا ماريا، بينتا ونينيا قاصدة أولاً جزر الكناري.

لكن ماذا كان بالضبط فحوى المشروع؟ لندع جانبا أي سوء تفاهم محتمل: إن جرأة اختيار الطريق الغربية نحو الهند لا تعود قط الى افتراض كروية الأرض، وهي قناعة كانت سائدة آنذاك على نطاق واسع.

تكمن جدارة كولمبوس الحقيقية في تراكم مؤثر لجملة أخطاء حسابية! فالجدل الذي يثيره مشروعه لا يتناول الطابع الكروي أو خلافه للأرض، بل تقدير المسافة البحرية التي أراد اجتيازها انطلاقا من أوروبا للوصول الى اليابان أو الصين عن طريق الغرب. وبما أنه يعتبر، استنادا الى تفسير خاطئ للمعطيات التي بحوزته، أن آخر بقعة غربية وبر الشرق الأقصى لا يفصل بينهما سوى بحر ضيق، تجرأ على خوض المغامرة.

قبل كل شيء ما هو قياس الدائرة الأرضية؟ أرسطو يسلّم بقيمة دقيقة الى حد كبير تبلغ 40000 كيلومتر، أكدتها في القرن الثالث ق.م. حسابات إراتوستينُس، في حين يغتزلها بطليمُس الى 33000 كلم. أما كولمبوس فيأخذ بالفرغاني  (القرن التاسع)، الفلكي العربي الذي كتب “جوامع علم النجوم والحركات السماوية” و”الكامل في الأسطرلاب”. يحسب الفرغاني 56 ميلا لكل من ال360 درجة التي تكوّن محيط الأرض. لكن بدلا من الميل الذي يساوي 2164 مترا والمقبول من الفرغاني (أي ما يعادل 44000 كلم)، يختار كولمبوس الميل الروماني الذي يساوي 1480 مترا، ما يختصر محيط الأرض الى 20000 كلم. تقريبا.

العملية الثانية كانت اكثر اقناعا حيث اقتضت تقييم عدد الدرجات التي تشكل القارة الأورسيوية، من شواطئ البرتغال حتى أطراف الصين. ففي حين تشير خرائط بطليمس الى 180 درجة، تبنى كولمبوس ما توصل اليه مارينُس الصوري (جغرافي ولد في صور وعاش في القرن الأول، من مؤسسي الجغرافيا الرياضية)، وهو 225 درجة. ويقتنع فعلا، لدى قراءة ماركو بولو وبيار دايي (لاهوتي وكردينال فرنسي، (1420-1350 بمساحة الأراضي الآسيوية شاسعة الأبعاد. سيكتب في نهاية حياته: ” لقد اعتقد بطليموس بأنه صحح بدقة مارينس، الاّ أن آراء هذا الأخير كانت أقرب الى الواقع).

فوق ذلك عمد كولمبوس الى تصويب حسابات مارينس مضيفا اليها 28 درجة تطابق الأراضي التي كان يجهلها هذا الأخير والتي أتى ماركو بولو على ذكرها، اضافة الى 30 درجة للمسافة التي تفصل اليابان عن القارة.المجموع: 291 درجة من االبرتغال الى اليابان برّا، طرح الطريق البحري من الغرب تقابل 69 درجة (و60 درجة فقط انطلاقا من جزر الكناري). الخلاصة: يتوقع كولمبوس بلوغ االيابان بعد قطع 750 فرسخا (4440 كلم.)، أي رحلة بحرية تستغرق من ثلاثة الى اربعة اسابيع. وهذه المدة لا غرابة فيها، اذ ان السفر في المد البحري حتى اسبوعين دون توقف كان أمرا مألوفا، سوى ان المسافة المقدرة تقل أربع مرات عن الواقع.

“بحر ذو أبعاد صغيرة” يجب اجتيازه

ان القناعة المطلقة التي يقوم عليها تصميم كولمبوس ترتكز على خطأ جسيم يختصره في ملاحظة أخرى، على هامش نص لبيار دايي، يقول: “النقطة التي تنتهي عندها الأراضي القابلة للسُكنى نحو الشرق، وبداية الأراضي المعمورة نحو الغرب، قريبة نسبيا، ويقع بينها بحر صغير الأبعاد”.

ومع ذلك لم يكن وحيد زمانه. فقد كتب العلآّمة الفلورنسي باولو توسكانِلّي 1474 رسالة (اطلع عليها كولمبوس ونقلها) يحسب فيها هو أيضا مسافة بحرية قصيرة بين البرتغال واليابان. وفي العام 1486 أجاز الملك يوحنا الثاني للفلامنكي فرديناند الأولمي الإبحار نحو الغرب بحثا عن جزيرة المدن السبع المكتنفة بالأسرار، ويقترح عليه جيروم مونتسر في رسالة اتّباع الطربق عينها نحو الهند دون أن يدري – وكان ذلك في تموز 1493 – ان كولمبوس عاد منها منذ بضعة أشهر.

باختصار، ان فكرة طريق بحرية غربا نحو الهند ليست بأي حال من وحي كولمبوس الشخصي، فقد كانت معروفة ومتناولة في كل مكان، وكان أشخاص كثيرون على استعداد للقيام بها.

لا مكان للمغامر بالمعنى الحديث للكلمة

يخطئ من يتصور كولمبوس يتحدّى سعة المحيط الذي يفوق الحصر. فالبحار التي لا بد من عبورها ضيقة بالنسبة اليه والبر قريب بعضه من بعض. خلال الرحلة الأولى لم تشر يوميات السفينة الى أي خشية من المساحات الشاسعة، بل على العكس، فهي تشهد على الشعور الدائم بقرب بلوغ يابسة أو جزر، وظل توقع اكتشاف وشيك لا أساس له يضبط ايقاع عبور الأطلسي. بذلك اختصرت الى حد كبير المسافة النفسية.

رغم ذلك اشتدت الحالة العصبية التي اعترت الطواقم، وأخذ الربابنة الذين تفاقمت انتقاداتهم يطالبون بتغيير الوجهة. هنا يكمن خطر الرحلة الحقيقي: عدم اختيار الوجهة الصحيحة والتيه دون بلوغ اليابسة. على أن جدارة كولمبوس تتجلّى في انه تمسك بالإتجاه غربا، ضد رأي الجميع، والذي لولاه لآضاع وقتا ثمينا وعاد خائبا لا محالة.

أخيرا وبعد خمسة أـسابيع من الإبحار بدأت اليابسة، ليل 11 الى 12 تشرين أول 1492، تتراءى في الصباح الباكر. فنزل كولمبوس ورجاله الى جزيرة غواناهاني في أرخبيل باهاما التي سرعان ما سماها سان سالفادور.

اقتنع الأميرال بأنه بلغ هدفه، الهند. وفي 17 تشرين أول أخذ يسمي جميع سكان الأقطار المكتشفة “هنودا”. صحيح أنه رائد تقصّى ووصف بصبر رؤوسا وخلجانا وشواطئ لم يترك أي أوروبي شهادة عليها حتى الآن، لكن لا شيء فيه  من مغامر بالمعنى الحديث للكلمة، متعطش الى المجهول ومنفتح على مفاجآت اللاّمنظور. ماذا يريد كولمبوس ايجاده في أعقاب رحلته البحرية ؟ قيل عامة انه كان يطمح الى الذهب والتوابل. مقدمة “يوميات السفينة” تشدد على هدف اكثر اقناعا: مقابلة خان العظيم (امبراطور الصين) واستدراجه للإهتداء الى المسيحية، بحسب الآمال التي تضمنتها شهادة ماركو بولو في هذا الصدد وإبلاغه رسائل موقعة من ملكي قشتاتلة وأرغون.

وهكذا تبدو رحلة 1492 عبر الأطلسي وغزو أميركا الذي تمخّض عنها، بمثابة استمرار لمشروع قروسطي يقضي بإعادة فتح شبه جزيرة إيبيريا.

بطريقه الى كاتاي (الصين)، توقع كولمبوس ايجاد سيبانغو (اليابان) الغنية، بحسب أقوال ماركو بولو، الى درجة ان المعابد والقصور فيها مكسوة بالذهب. وهذا احد اسباب الوسواس الذي تجلّى في كل صفحة من يومياته: ان ادنى اثر للمعدن الثمين يعتبر اشارة على قرب سيبانغو. وفي تشرين أول 1492 بدأت أول جزيرة كبيرة تبدو له استجابة لتوقعاته هي كولبا باللغة المحلية، ومنها اسم “كوبا” الذي أطلقه عليها كولمبوس. (لا بد من الاشارة هنا الى ان علماء كوبيين يرجعون تسمية كوبا الى كلمة قبّة العربية).

في كانون اول بدأ استطلاع الجزيرة التي أسماها “هيسبانيولا”، “إيسبانيولا” (هايتي) والتي ستبقى زينة اكتشافاته. ففيها يحمل السكان الأصليون الحلي الذهبية ويطلقون اسم “سيباو” على المكان الذي يستخرج منه المعدن. و”سيباو” لا يمكن إلاّ أن تكون سيبانغو، التي باتت من الآن فصاعدا واقعة داخل جزيرة إسبانيولا. هناك ايضا اخذ يسمع عن هنود “كانيباس” (أو “كاريباس)، وهما مصطلحان يصبّان في “كاريبي”، انما ايضا “كانيبال)، أي اكلة لحوم البشر الذين يبثون الرعب في قلوب شعوب الجزر الأخرى. ومع ذلك كان حذرا في الرسالة التي كتبها لدى عودته، وطبعت اعتبارا من نيسان 1493 ونشرت في كل أوروبا نبأ رحلته. فقد حرص على الزعم بأنه وصل الى سيبانغو أو كاتاي، ويسره ان يشير الى أن اسبانيولا هي في موضع جد ملائم لبلوغ ارض خان العظيم. وما عليه سوى الإحتفال بنجاح مشروعه متلافيا واقع انه لم يبلغ الهدف المحدد، وأنه لم يلتق اي أمير كبير يستأهل استلام الرسالة التي يحمل ولم يجد أي مدينة لها سطوح ذهبية.

في الحال الحاضرة يخرج كولمبوس بالسمعة الحسنة متباهيا بحسنات الأراضي المكتشفة: “إسبانيولا هي آية”: سكانها “خيرة الناس في العالم”، انهم مضيافون، مسالمون؛ اراضيها المحببة الى النفس والخصبة تبشر بخيرات لا حصر لها.

الحماسة على أشدها بحيث أنه جرى تنظيم رحلة ثانية دون تأخير. وفي 25 ايلول 1493 انطلق الأميرال مجددا على رأس أسطول من سبع عشرة سفينة مجهّزة بالرجال ومحملة بماشية وبذار ومعدات بهدف توطيد اول مؤسسة في جزيرة إسبانيولا واستثمار ثرواتها. إلاّ أن وعود الجزر – التي لم تكن سوى دواء مسكّن – سرعان ما ثبت أنها اصعب تحقيقا مما كان متوقعا. وهذا احد اسباب الإنتقادات المتزايدة حدة، التي أرهقت كولمبوس وصولا الى توقيعه مؤقتا من قبل موفد الملك، بوباديا، الذي سحبه من اسبانيولا في تشرين اول 1500 مقيّد الرجلين بالسلاسل (الى ان اعاد له الملوك حريته بعد بضعة اسابيع). أثناء الرحلة الثانية أخذ كولمبوس يستطلع منهجيا ساحل كوبا الجنوبي على مدى شهرين. وبالغ في تقدير المسافة التي قطعها واستخلص انه بصدد شبه جزيرة تعود الى اليابسة الآسيوية. وفي 12 حزيران 1492 حين قرر العودة على أعقابه، أصدر قرارا محررا أمام موثّق يقسم فيه رجال طاقمه ان كوبا أرض قارّية ويمتنعون عن تأييد العكس تحت طائلة العقوبة.

بالرحلة الثالثة عام 1498 فتح كولمبوس مرة أخرى طريقا مستجدّا قريبا من خط الإستواء. فانطلق من جزر الرأس الأخضر وبلغ شواطئ فنزويلا الحالية، وفي ذهنه الأراضي الجنوبية الشاسعة والمجهولة حتى ذلك الحين التي سمّاها شقيقه “العالم الجديد”، على رسم اعدادي انجزه بعد ذلك بسنوات.

إن فرضية وجود قارة جديدة، المنسوبة عادة الى امريكو فسبوتشي الذي يعتبر “مكتشف” أميركا الحقيقي، قد طرحت منذ تلك الحقبة وهي لا تتعارض اطلاقا، بالنسبة الى الأخوين كولمبوس، مع النظرية الآسيوية. وهذا “العالم الجديد” لا يجمعه جامع حتى ذلك الحين بتصوّرنا عن القارة الأميركية. فالمسألة تتعلق بامتداد أقاليم متصلة مباشرة بآسيا: النظير الجنوبي لآسيا، كما هي افريقيا الى حد ما بالنسبة الى أوروبا.

ومع ذلك فإن استكشاف سواحل اميركا الوسطى، أثناء الرحلة الرابعة 1502 – 1503، لم يهدف سوى الى توضيح التقاء تلك القارة الجنوبية بالأجزاء المعروفة من آسيا، وتحديد ما اذا كان هناك مضيق يفصل بينها (كما تفترضه عودة ماركو بولو بحرا، من الصين الى الهند). هذه الرحلة الأخيرة هي الوحيدة التي يحققها كولمبوس في ظروف صعبة وحتى خطرة: فبعد أن عطلت العواصف المتكررة سفنه، اضطر الى انتظار سنة كاملة في الجاماييك لوصول تعزيزات بعيدة الإحتمال في ظروف يائسة. وسبق له ان تحقق، على طول السواحل الممتدة من هوندوراس الى باناما، من المناطق الصينية التي وصفها ماركو بولو ب (“أرض كارياي”، مناجم الذهب في اقليم “يامبا”، الخ.)، ويحدد موقعه على بعد ثمانية ايام من الغانج.

بالإختصار، ان قناعاته ليست دقيقة. ويؤكد ان كوبا هي شبه جزيرة عائدة الى امبراطورية خان العظيم وأن اسبانيولا “هي سيبانغو” (رسالة الى البابا اسكندر السادس، 1502). “ان اميرال البحر الأوقياني، نائب ملك وحاكم الجزر وبر الهند المكتشف والذي سيكتشف” – هكذا اسمه في ملحق وصيته – قد مات عام 1506، منهكا، إنما واثقا من انه بلغ هدفه.

د.ايلي مخول

عن ucip_Admin