شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | تحت الضوء – بحثاً عن زغرتا المفقودة
تحت الضوء – بحثاً عن زغرتا المفقودة
زغرتا

تحت الضوء – بحثاً عن زغرتا المفقودة

كي يستطيع المرء التأثير في المكان في صورة مبدعة، خصوصاً في المجال المعماري، لا بد له من فهم المكان. فهمه في هويته وفرادته وخصوصيته. الدخول إلى جوهره. كذلك طبعاً، معرفة ما ينطوي عليه هذا المكان من ثروات وإمكانات، ومن عثرات وعوائق. فما يُبنى في مكان، لا يُنقل هو نفسه إلى كل الأمكنة. فالعمارة تعبيرٌ دقيق وبالغ الأهمية عن هوية المكان وخصوصيته. أتناول في هذا البحث هوية إهدن- زغرتا في مختلف عناصرها، لبناء التصوّرات المعمارية المقبلة، عليها.

مذ انتهى زمن الحجر المقصوب في البناء، وظهرت المواد الجديدة (الأسمنت المسلّح، الحجر الصناعي، الحديد، الألمنيوم، الزجاج على نطاق واسع، وغير ذلك)، بدأت مغامرة معمارية جديدة، تصعب الإحاطة بنتائجها. في زمن الحجر المقصوب، كان الحجر يفرض نفسه على المهندسين المعماريين والبنّائين. حجر فوق حجر. كان الحجر يحدِّد الأشكال المعمارية الملائمة له. أما مع الأسمنت المسلّح وتوابعه، فقد خرجت الأشكال من عقالها، ولم يعد من مجال لضبط جموحها في كل اتجاه. صار كل شيء ممكناً. في زمن الإسمنت المسلّح وتوابعه، ما أخطر ما يمكن أن تتعرّض له بلاد أو منطقة؟ أخطر ما تتعرّض له بلاد، وأخطر ما تتعرّض له منطقة، هو أن تتوافر فيها القدرات المالية، ان يتوافر فيها الرأسمال، قبل أن تصل إليها الثقافة، ثقافة البناء وثقافة المشهد وثقافة البيئة. حينئذ تحل الكارثة. وقد حلّت هذه الكارثة في لبنان. زاد من هول كارثة البناء في لبنان على مدى نصف القرن الأخير، ان القدرات المالية حضرت، ليس في غياب الثقافة فحسب، بل أيضاً في مرحلة طويلة من الحروب والفتن أدّت إلى غياب سلطة الدولة بمؤسساتها وقوانينها كافة، وسط فساد بلا حدود. غياب الثقافة وغياب الدولة. هكذا، زحف البناء الفوضوي، الهجين، غير المندرج في أي رؤية، في أي تخطيط مسبق للمكان، سواء أكان المكان مدينة، أم شارعاً، أم قرية، أم ضاحية مدينة، أم شاطئ بحر، أم ضفة نهر، أم أي شيء. البناء الخالي من كل جمالية، من كل طراز معماري، من كل ذوق، زحف واحتل كل أنحاء لبنان، مشوّهاً المشهد إلى غير رجعة، وملوّثاً الطبيعة تلويثاً خطيرأً في عناصرها كافة.
هكذا، امتدّت الكارثة المعمارية، التي لا عودة عنها، في طول لبنان وعرضه، مغطيّة الشواطئ، والمدن الساحلية، والمناطق الوسطى، والمناطق الداخلية، والمناطق الجبلية ايضاً. ليس من مكان في العالم مثل لبنان، يبرز فيه مثل هذا التناقض المأسوي بين جمال الطبيعة من جهة، وبشاعة الفعل البشري، من جهة أخرى. لقد بدّد الإنسان المعاصر ثروة لبنان الكبرى: جماله الطبيعي وصحّة بيئته. كأن عمار لبنان هو خرابه.
هذا المكان الذي نحن فيه الآن، هذه المدينة التي هي العقبة، مدينة زغرتا الجديدة، خير شاهد على الضياع المعماري نفسه. مثلما هو في كل مكان. فعندما تحضر القدرات المالية قبل الثقافة، وتعمّ عقلية الاستفادة والتنفيع، تصبح كتل الأسمنت المسلّح أجمل من الصخور، ومن اللوحات التي صاغتها الطبيعة على مدى ألوف السنين، وأهم من المعالم التراثية والروحية، ومن أي شيء، فيحلّ بمجرى نبع مار سركيس ما حلّ به وحوله، ويحلّ بجبل سيدة الحصن ما حلّ به، وبقرن أيطو ما حلّ به، وتصبح الطريق العريضة الهاجمة على دير مارت مورا ودير مار يعقوب الأحباش لأسباب عقارية، أهم بما لا يُقاس من هذين الأثرين الفريدين، وتختفي عيون إهدن الرقراقة العذبة، وتتحول ساقية النبع إلى مجرور، والحبل على الجرّار، صعوداً ونزولاً. وإذا استمرّت الحال على هذا المنوال، فماذا يبقى؟
الإضاءات التالية ستتناول إهدن- زغرتا، في هويتها الجغرافية وطاقاتها الطبيعية، في مسارها المجتمعي التاريخي، ومخيلة المكان فيها ورمزيته، كما في هويتها وإمكاناتها الثقافية، وصولاً إلى بعض المقترحات المحددة.
من المعروف أن حاضر السياحة ومستقبلها في العالم هما للسياحة الثقافية والبيئية، عبر الرغبة في اكتشاف هوية الأمكنة. شيء بعيد تماماً عن ارتياد الفنادق الكبرى التي بلا روح، وتوابعها. من لا يعي الحفاظ على هوية مكانه، ويدرك كيف يبرزها معمارياً، لا مكان له في عالم الغد. ما هي الهوية، الطبيعية والجمالية والرمزية والثقافية، لإهدن- زغرتا، وما هي إمكاناتها؟
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).