ليس صحيحاً ان أعمار الشهداء منذ يوم استشهادهم هي تراكم أسى واستذكار فحسب بل ان كلاً من سنين غيابهم تشكل شهادة اثبات اضافية لكون ما زرعوه يفوق بأهميته ما أودى بهم الى دروب الشهادة. في عام استشهاده الحادي عشر، ها هو جبران تويني يحفزنا على اكتشاف مزيد فيه ونحن اللحم والدم والابناء فكيف بالاصدقاء وبالاحباء والمحبين واللبنانيين الذين عرفوا هذا الشهيد وشغفه بالقيم الكبيرة التي من أجلها سالت دماؤه في ذاك اليوم المشؤوم من تاريخ اراده تاريخ استعادة لسيادة مسحوقة واستقلال زائل تحت وطأة الوصاية السورية التي حكمت لبنان بأبشع ما عرفه لبنان من حقب. يحفزنا على ان نبقى الصوت الصارخ أكثر من أي وقت مضى، حتى ابان حياته ونضاله واستشراسه المستميت للدفاع عن ذاك القسم الأيقوني الذي تجلجل به صوته أمام الحشد المليوني في ساحة الحرية، ساحة الشهداء، مطلقاً في الناس شعلة الشباب المتوثب الى المستقبل الحر النظيف الحديث الناصع على الصورة التي حلم بها جبران، الحالم الكبير. حفزنا ويحفزنا على ان تبقى “النهار” شعلة المؤمنين من أجيال “النهاريين” القدامى والمخضرمين والحاليين بقيم الذين تعاقبوا على حمل مشعلها صحيفة لبنان اللبناني الحر المنعتق المستقل الموحد المنادي بقيم دفع أثمانها اللبنانيون منذ استقلالهم الاول مرورا باستقلالهم الثاني والى أبد الآبدين.
نقولها بالصراحة والصدق الكاملين اللذين تمليهما الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد جبران كما أوضاع الوطن الذي تناوبت عليه الظروف القاسية مذذاك، ان شهادة جبران زرعت في “النهار” ما أراده لها ان تكون على صورة شجاعته وصوته الصارخ بالحق مهما كلف الامر من تضحيات يكاد بعضها ان يكون قاتلاً. 11 عاماً و”النهار” تخوض صراع البقاء والصمود والتطوير والوفاء لدماء من صرخ بقسم اللبنانيين الاحرار. 11 عاماً و”النهار” تكابد العض على الجروح بصمت المؤمن بأن قضيته لا يمكن إلا ان تستمر استمرار عنوان وضعه المعلم التاريخي لـ”النهار” عميدها الراحل الباقي غسان تويني ” جبران لم يمت و”النهار” مستمرة”. 11 عاماً من حمل الامانة في الاعناق، وأي أعناق؟ انها اعناق جميع العاملين في اسرة “النهار” بلا استثناء أو تمييز. هؤلاء أبناء “النهار” الذين استحقوا حقاً شهادة الانتماء الى وطن آمنوا بأن قيامته تبدأ بالكلمة وبالشجاعة والاحتراف والوفاء لشهيد أحبهم حتى الشهادة. هذه “النهار” أراها اليوم بكل الفخر الذي يمليه حق الاعتراف هي التي تفي نذورها للشهيد كما عاهدته على ذلك في يوم وداعه قبل 11 عاماً. وستتحمل “النهار” الى ما شاءه لها ايمانها بالبقاء والاستمرار مغالبة اسوأ ازماتها اطلاقاً وهي العارفة تماماً انها كانت دوماً هدفاً لمتربصين بها أرادوا منذ اغتالوا جبران اسكاتها الى الابد. ولانهم أرادوا لها ان تسكت وأن تموت وأن تضمحل منذ 11 عاماً فإننا لن نتوقف لحظة في المواجهة ونحن على يقين أن ابواب الجحيم لا تقوى على المؤمنين.
لم تكن “النهار” يوماً بعد جبران إلا مؤمنة بأنها ستبقى على مستوى شهادته بما يليق باسمه وبسيرته وبشهادته وبكل مسار “النهار” التاريخي. أما مسار الوطن بعد جبران، ومسار القوى الحاملة قضية “ثورة الارز”، فأمر آخر تماماً. لعله من أسف كبير ان نقف اليوم عند مشهد بلد يزداد تقهقراً وتراجعاً وتخلفاً الى حدود نتساءل معها هل ثمة من يستذكر شهداء كجبران إلّا يوم استشهاده فيما تضرب في كل لحظة كل القيم التي استشهد على طريق احقاقها ورفعها؟ أين اصبحت السيادة الناجزة والاستقلال الناجز ورفاق الدرب في “ثورة الارز” سلموا ويسلمون بتسويات رئاسية ثم حكومية وبعد حين انتخابية لن يكون فيها سوى ترسيخ وقائع تسلم لمحور اقليمي يعود بشار الاسد الى التباهي بتقدمه؟ اين هي ثورة التغيير الواعدة للشباب الذي آمن بثورة تغيير جذرية محمولة مع مد التحرر من الوصاية السورية والاحتلال الاسرائيلي وكل نفوذ خارجي يريد للبنان البقاء متخلفاً ومقسماً وموئلاً لكل نفوذات الاقليم؟ ألا تسلمون بأن خيبة الناس أكبر بكثير مما تتصورون وتظنون؟ وأي تغيير يراهن عليه اللبنانيون اذا كانت طلائع عهد جديد وحكومة جديدة تدار بالطرق الجارية حالياً في سباق على مغانم المحاصصة ستليها حتماً محاصصات المداحل الانتخابية؟
11 عاماً بعد جبران لا نزيد على تعهد وعهد أن “النهار” لن تكون الا كما ارادها وكما أثبتت انها لا تقبل إلا ان تكون نفسها مهما بلغت التضحيات والتكاليف القاصمة.
نايلة تويني
النهار