عرفتُك ” حليم ناشد اثناسيوس ” وقد كنت بحق حليماً تنشد الكمال المسيحي ، لذا ستبقى خالداً لتتكلم بعد : بقارورة طيب ناردين سيرتك العطرة ، وسط خوارس رهبان دير البراموس البهي ، تتكلم في ربوع قرى المنيا المجاورة حيث كنت تبيت هناك … منطلقاً من محبستك الضيقة التي سكنتها داخل قلاية أنبا أرسانيوس مطران المنيا وأبو قرقاص الحالي.
سوف تتكلم فى حياة وقلوب الشعب وخدمة الشباب الذين أسستهم هناك ، والذين من بينهم مَنْ تبعوك حيث مضيت إلى حقل خدمتك المختار .
إنك تتكلم بهدوئك ونسكك وفرحك الأبدي، فبالرغم من طرحك للعالم وراء ظهرك ، احتفظتَ بروح الأطفال الصغار ورجعت مثلهم ، عائشاً مسكيناً بالروح ، حيث أشعَّتْ منك إشعاعات السكينة ليس فى أوساط رعيتك فقط بل سَرَتْ من أقاصيها إلى أقاصيها .
عملت عمل الخميرة النشطة بديناميكية عجيبة فى هدوء وسكون ، من دون ضجيج أو افتعال أو دعاية ، لكن عمل الأتقياء الذي خمَّر العجين كله … زارعاً بالدموع والتنهدات وحاصداً بالابتهاج ، معمراً ورابحاً للنفوس والقلوب ثم معمراً ومشيداً للكنائس والأديار عبر القارات … تعمير الفهم المختار والعقل الراجح بالإفراز والدموع التي روت الزرع المثمر وأينعت ثمراً مشهوداً فى السيرة والسريرة، معطياً مجداً وكرامة للثالوث القدوس .
كنت كاتباً حياً وفناناً مبتكراً ، وقد خبرت لاهوت الجمال برؤية رشيقة عبَّرتَ فيها بريشتك عن أعماقك الجوانية ، وما اختلجت فيها من عشق للسيْر على دروب الأولين ، فرسمتَ ديرك الفردوسى العامر ، وسردت سير قديسيه مرسومة بوعي المختبر … وقد خرجتْ قوة عظيمة من هاتين اليدين .
وإنْ كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد شاهدتُ نحتك للأربعة كائنات غير المتجسدين بمادة الجبس فى بكور حياتك بالسبعينات .
فيداك المرفوعتان وعيناك الباكيتان ، صارت عنواناً لسيرة ممدوحة ومسيرة نفتخر ونقتدي بها عبر الأجيال ، سواء فى القرية أو المدينة ، فى داخل مصر أو خارجها . مقتفين نموذج سيرتك بالعمل والقول .
إنني أراك ساهراً على قدميك ، متمنطقاً في انتظار الختن . وأراك متجولاً تفتقد وتجمع المتغربين حول القداسات الكيرولسية.. أراك يقظاً فى قلايتك منذ شبابك اليانع مستعداً من أجل هذه الساعة . وكما عشت مختفياً عن الأنظار فى هدوء ودعة ، هكذا كان خروجك نوماً على سريرك باستعداد يدق كجرس للكنيسة كلها ، التي ودعتك بقلوب منفطره متألمة ونائحة لفجيعة فراقك ؛ مثلما حدث عندما مات أنبير ابن نير رئيس جيش اسرائيل ، ورثاه داود النبى قائلاً : ” ألا تعلمون أن رئيساً وعظيماً سقط اليوم فى اسرائيل “.
فقد انتقل اليوم عظيماً بحق فى كنيستنا المجيدة أنبا كيرلس المطران الجليل ، ليكن ذكراه إلى الأبد .
القمص أثناسيوس فهمي جورج