إنجيل القدّيس مرقس ١٣ / ٩ – ١٣
قالَ الرَبُّ يَسوعُ لِتلاميذِهِ: «كُونُوا أَنْتُم عَلى حَذَر: سَيُسْلِمُونَكُم إِلى المَجَالِسِ وَالمَجَامِع، ويَضْرِبُونَكُم، ويُوقِفُونَكُم أَمَامَ الوُلاةِ وَالمُلُوك، مِنْ أَجْلِي، شَهَادةً لَهُم.
ولا بُدَّ أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِٱلإِنْجِيلِ في كُلِّ الأُمَم.
وحِينَ يَسُوقُونَكُم لِيُسْلِمُوكُم، لا تَهْتَمُّوا بِمَاذَا تَتَكَلَّمُون، بَلْ تَكَلَّمُوا بِمَا تُعْطَونَهُ في تِلْكَ السَّاعَة، لأَنَّكُم لَسْتُم أَنْتُمُ المُتَكَلِّمِين، بَلِ ٱلرُّوحُ القُدُس.
وسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلى المَوْت، والأَبُ ٱبْنَهُ، ويَتَمَرَّدُ الأَوْلادُ عَلَى وَالِدِيهِم، ويَقْتُلُونَهُم.
ويُبْغِضُكُم جَمِيعُ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي. ومَنْ يَصْبِرْ إِلى النِّهَايَةِ يَخْلُصْ.
التأمل: “سَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلى المَوْت…”
قلت لنا يا ربٌ :” سَيُسْلِمُونَكُم إِلى المَجَالِسِ وَالمَجَامِع” والتاريخ يشهد أن تلك الحقيقة تكررت ملايين المرات، وفِي كل مرة يخرج من حملوا اسمك منتصرين، مكللين بالمجد، غاسلين حللهم بدمك..
لكن اليوم مَن يُسلِّم من الى المجالس والمجامع؟ مَن يضرب مَن؟ مَن يجلد مَن؟ نحن نُسِّلم أنفسنا إلى ولاة وملوك وسلاطين هذا العالم، ليس من أجلك بل من أجل أنانيتنا… ليس شهادة لهم عنك، بل شهادة لهم عنّا…!!
نقف أمام الولاة والملوك مستزلمين لهم، ضمانةً لنا، ليكونوا في “ظهرنا” عندما نستبد على غيرنا أو نخالف القانون، نتوسط عندهم من أجل وظيفةٍ أو حفنة نقود… نقف أمامهم للتصفيق بغية كسب رضاهم لا رضاك، شهادةً لهم ولشعبيتهم، وليس شهادةً لك… شهادة للباطل وليس للحق… لا أدري كيف نتحوّل أمامهم من مؤمنين الى “مندَسّين”؟؟!! ومن شهود حق الى شهود زور!!! كلّ ذلك يحصل ونحن نحمل اسمك!!!
قلت لنا يا رب: “لا بُدَّ أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِٱلإِنْجِيلِ في كُلِّ الأُمَم” والحق يُقال أن الرسل وحدهم كرزوا بالإنجيل في الارض كلها رغم كل الضيقات والاضطهادات وضعف الإمكانيات لأنهم كانوا يعرفونك، ونحن اليوم نملأ الارض عدداً وعدةً ولا يصل الانجيل الى غرف أبنائنا لأننا لا نعرفك!!! لو تدري أن إنجيلك تأكله “الغبار” في مكتبات بيوتنا، ربما أصبح المكان الآمن “لتخبئة” ما تريد الأمهات إخفاءه عن الأبناء!!! لو تدري أننا نتحاشى ذكر إسمك أمام بَعضنا لأننا نستحي بك، نخاف من سخرية البعض منَّا، لا نحتمل نظراتهم، لذلك نسعى لإرضائهم بالتخلي عَنك، واستبدال أناشيد تسبيحك بأغانٍ تمجّد الخطيئة وتمدح الشيطان بكل أنواعه وشروره…
قلت لنا يا رب:”سَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلى المَوْت..” ونحن كذلك، لكن ليس شهادةً لك!!! بل على أفضلية المرور نسلم بَعضنا للموت، أو في حفلات الاعراس نطلق النار ابتهاجاً فنسلم إخوتنا للموت، إذا نجح ولدنا في أيّ شهادة، أو اذا “عَصّب” أحدنا… أو بكل بساطة على “فنجان نسكافيه” نسلّم من يُدعى لنا أخاً الى الموت… أو من يدعى لنا إبناً!!! فكم من الآباء يقدمون لابنائهم الحجارة بدل الخبز والأفاعي بدل الأسماك!!! وتجّار الضمائر ماذا يقدمون لأولادهم؟ تجار البشر…. تجار المخدرات والقمار والسلاح والدعارة والاباحية؟؟!!!
ألا نسلّم أهلنا للموت؟ كم من الأبناء بيننا يتركون أهلهم في غرفٍ مظلمة وباردة لوحدهم؟ أو يرمونهم في المآوي دون رحمةٍ؟ أو يطلبون لهم الموت الرحيم؟ أو الرحيل السريع؟ ألا يُعتبر ذلك قتلاً؟؟!!
قلت لنا يا رب :” يُبْغِضُكُم جَمِيعُ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي..” لكن البغض أصبح “منَّا وفينا”!! نحن نبغض بَعضنا البعض أكثر من كل الناس.. في كل بيت، في كل حي، في كل بلدة وبلد، في كل كنيسة يعيش البغض، نحن نغذّيه من ذواتنا، نُطعمه على طاولاتنا، يستريح في أحضاننا ويتربع على قُلُوبنا ويملك في عقولنا…
يا رب في كل دقيقة نُساق ونسلم الى عدونا ونقف أمام محكمة الباطل الذي يعيش فينا، أعطنا أنت روحك القدوس ليدافع عنا في زمن ضعفنا، ليقود نفوسنا في وقت التجربة، في زمن الضيق، كي تزداد مقاومتنا لإغراءات العالم، أعطنا سلطاناً منك كي يتحول ضعفنا الى قوة، قوة الموقف وشجاعة القرار وصلابة الإرادة لننتصر بروحك القدوس على ذواتنا أمام المصالح الدنيئة وضعفنا أمام الشهوات الرديئة… آمين.
نهار مبارك
أليتيا