شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | عيد العشّاق… عيد الحبّ
عيد العشّاق… عيد الحبّ
عيد العشّاق… عيد الحبّ

عيد العشّاق… عيد الحبّ

يحتفل الكثير من الناس في العالم، “بالسَانْ فالَنْتينو” (القدّيس فالَنتين) أي بعيد العشّاق،وهذا دليلٌ على أنّ العشق، يخلق مع الإنسان، ويبقى بالرغم من كلّ شيء، الرابط الأوّل والأخير بين المرأة والرجل. العشق استمرار للحياة العاطفيّة، والزوجيّة وحتى العائليّة. بالمطلق، يعيش العشّاق من أجل الحبّ وبسببه. فهل يدرك كلّ العشّاق مبادئ الحبّ ومفاهيمه؟ هل يتصرّفون بحسب متطلّبات الحبّ؟ تُرى هل يميّزون بين حالة الحبّ وحالة الغرام والإعجاب أو النزوة والشهوة؟ هل يحتاج عشّاق هذا العصر تذكيرهم بمعنى الحبّ وجوهره؟ وضرورة التنويه بانعكاساته الإيجابيّة، على حياتهم الشخصيّة وعلى مسيرة الكون؟ بما أنّه قد أُسيءَ فهم وتطبيق قيمة الحبّ ومضمونه وعيشه، وذلك لأسباب كثيرة، كان لا بدّ من أن يتذكّر ويطّلع شباب اليوم، على جوهر الحبّ ومفهومه ومبادئه. من هنا سوف نستعرض بعض الحقائق والأفكار الأساسيّة حول هذا العيد المميّز والتي تُطبّق وتُعاش من قِبَل الكثير من العشّاق (وإلاّ لَمَا احتفلَ عشّاق هذا الكون بعيد الحبّ): “أوليس العشق هو الحديث والحدث، منه تنطلق الصدفة والمناسبة، وبه يُحدّدُ المكان وما إليه. العشق هو المراهن على التجاوب والأخذ والعطاء. به يزداد العشّاق اشتعالاً، معبّرين عن الغرام المنسوج بخيوط الإحساس، ولهب الشعور، والرغبة والنشوة، والحلم وتحقيق الذات”.

يتوق غالبيّة العشّاق (المرأة والرجل) إلى تجسيد عشقهم باللقاء المستمرّ المبنيّ على الشراكة والحبّ. “فالحبّ هو أيضًا موضوعيّة فكريّة، وحتى علميّة، قبل أن يكون شعورًا وإحساسًا. فموضوع الحبّ ليس حِكرًا على الشعراء، الذين يجيدون مناجاة ما في النفس ومعايشتها، والارتقاء بها إلى أعلى، بل هو يُثبت أيضًا إخلاصه لقوّته العقليّة وهو في حالات الخدر العاطفيّ”. يعبّر العشّاق المنغمسين بالحبّ، عن خبراتهم العاطفيّة والغراميّة، التي تقودهم إلى الحياة المشتركة، والتي تُنهي “عزلتهم”، لتبدأ معها حياة أكثر وجوديّة وكيانيّة وتفاعليّة. “الحبّ تناغم سحريّ خفيّ، يتسلّل إلى قلب الإنسان من دون استئذان، فيملأ حياته بهجةً وانتظارًا وأرقًا وشوقًا وربّما اضطرابًا. إنّه يجعله يُنجز أعماله كلّها بشغف، لأنّه يرغب بأن يراها جميلة في عينيّ الحبيب ]…[ يقوم على المبادلة والاحترام والتضحية. فحين يحبّ بصدق لا يسعه إلاّ أن يحترم الحبيب ويضحّي لأجله”. أولم يضع عصرنا الموبوء المريض بالأفكار والمبادئ المشوّهة، والمبنيّة على التحرّر المزيّف، حالة الحبّ على المحك؟

لكي يستمرّ الحبّ بين العشّاق لا بدّ أن يتذكّروا بأنّ “الحبّ، هو أن يكون الآخر معك، لكَ دون سواك، لا يشاركك في محبّته أحد، ولا يشارك هو أحدًا في محبّته لكَ. قد يكون الحبّ قصير العمر، قد يتطلّب تنازلات من قبل الطرفين تفوق أحيانًا قدرة أحدهما، وبالرغم من ذلك، يتوجّب على مَن يشعر بعجزه عن تحمّل التضحيات، أن يكمّل الطريق في سبيل الحبّ”.

هل كلّ غرام وإعجاب يؤديّان إلى “علاقة حبّ”؟ “في مثل هذا الموقف الحائر أمام حبٍّ ناتج عن غرام وإعجاب سابقَين يرى الإنسان العاقل أنّ الحبّ ليس بالنسبة إليه عاطفةً، وإعجابًا، وإحساسًا، ورغبةً، ونشوةً، وشغفًا وشعورًا وحياةً جنسيّة، وغرامًا، وإنّما هو أكثر من ذلك، إنّه الانسجام والاحترام، والقناعة، والغفران، والتضحية، والتعاون، والحوار، والالتزام، والصبر، والاستمراريّة، والاعتماد على المنطق والعقل، والتفاني، والخدمة، والثقة، إلى ما هنالك من فضائل إنسانيّة، إنّه العقل والروح والنّفس والجسد والمبادئ الإنسانيّة. وجميع هذه القناعات – إن تماسكت- تقوم بدور فاعل في حياة الثنائي”. وهل كلّ علاقة حبّ صحيحة وسليمة تؤدّي إلى زواج ناجح؟ “إنّ الزواج بين المرأة والرجل يقوم بالدرجة الأولى على العقل والقلب متّحدَين، والحبّ يقوم على المبادلة والاحترام والتضحية. فحين تتوفّر هذه المقوّمات في الزواج، لا بدّ له من أن ينجح. غير أنّ الحبّ هو الذي بمقدوره أن يذلّل العقبات في حالة غياب إحدى المقوّمات الأساسيّة الأخرى”. بالتأكيد ليس فقط التواتر العاطفيّ والكلام المعسول، يجعلان من التناغم الحسيّ والشعوريّ طريقًا إلى بناء “علاقة حبّ”، على أُسس ثابتة ومتينة وواضحة. “فعلاقة الحب” بين الشريكة والشريك، يجب أن تكون عملاً دؤوبًا مُجهدًا ومتواصلاً، مبنيًّا على العاطفة والعقل، كما ذكرنا سابقًا، أي على الانسجام والتواصل والإصغاء والحوار. نؤكّد بأنّ “علاقة حبّ” تتطلّب نوعًا من المعرفة والإدراك وحُسن التصرّف والاختيار والنُضج والوعيّ؛ كما الابتعاد عن المشاحنات والشكّ والتفسيرات الخاطئة والأحكام المُسبقة والعشوائيّة. كما تتطلّب الابتعاد عن الأنانيّة وحبّ السيطرة والهيمنة، لأنّ حالة الحبّ لا تُعاش إلاّ بالشراكة وبذل الذات ونكرانها والسخاء. كما تثبُت بأخذ القرار والحكم الصائب.

نعم، إنّ التربية على الحبّ، تجعل من عشّاق عصرنا يدركون “بأنّ الحبّ عاطفة مقدّسة تنبثق من أعماق الروح، وتمتلك القلب، وتستولي على حركات الفكر ونظامه، ومشاعر الجسد وانطباعاته، وتغمر العاشق بدهشة الحبّ وبنشوة سحريّة أخّاذة، فتجعل الفتى والفتاة مترفّعين عن مغريات الحياة الماديّة، محلّقين فوق الأنانيّة والانزوائيّة، مؤمنين بسطوة العشق وسلطانه الخفيّ!”. دعوتنا اليوم في عيد العشّاق… عيد الحبّ، إلى عشّاق هذا العصر، أن لا يكونوا متقلّبين ومتأرجحين، بل ثابتين على المبادئ الصحيحة، وأن يخلُصوا للحبيب بعيش الأمانة. بالرغم من الصعوبات والتحديّات، عليهم أن يبقوا أوفياء للحبّ وللغرام ولبعضهم البعض، وذلك تحت عنوان الصدق والشفافيّة والعفويّة مع روح الدعابة.

يتحدّث عشّاق مجتمعنا، العابق بحضارته الإنسانيّة، عن الحبّ وإدراك أبعاده، فهل تُراهُم يحقّقون بأفعالهم ما يبوحون به في أقوالهم؟ أم أنّهم يَنساقون خلف أحلام خياليّة وحسب، فيقعون فريسة الأوهام؟ كلمة أخيرة قد تنفع للذكرى: الحبّ يتطلّب قرارًا وحريّةً داخليّة وإرادةً قويّة.

الأب نجيب بعقليني
أليتيا

عن ucip_Admin