ولهذه المناسبة أوكل قداسة البابا فرنسيس في تغريدة اليوم على موقع تويتر إلى مريم العذراء، شفاء المرضى، جميع الأشخاص الذين يتحمّلون عبء المرض، وعائلاتهم، وكذلك جميع العاملين في مجال الصحّة، وأكد للجميع قربه منهم في الصلاة. هذا وكانت قد صدرت في 3 كانون الأول يناير المنصرم رسالة قداسة البابا فرنسيس لهذه المناسبة والتي عنونها الأب الأقدس بكلمات يسوع: “تعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المـُرهقونَ المـُثقلون، وأَنا أُريحُكم” (متى 11، 28). وأوضح قداسته في بداية الرسالة أن هذه الكلمات “تدل على مسيرة النعمة الخفيّة التي يكشفها الله للبسطاء وتَمنح راحة للمرهقين والمتعبين”، كلمات تُعبِّر “عن تضامن يسوع المسيح، ابن الإنسان، مع إنسانية مصابة بالشدائد ومتألمة”. وتابع الأب الأقدس “في اليوم العالمي الثامن والعشرين للمريض، يوجه يسوع الدعوة إلى المرضى والمثقلين، والفقراء الذين يعرفون أنهم يعتمدون كلّيًّا على الله، وقد ثقلت عليهم المحن وهم بحاجة إلى شفاء. فيسوع لا يفرض القوانين على الذين يعيشون في قلق دائم بسبب وضعهم الخاص المليء بالهشاشة والألم والضعف، بل يقدم لهم رحمته، أي شخصه الذي يشفي ويعافي. إن يسوع يرى البشرية الجريحة. له عيون تبصر، وتنتبه، لأنها تنظر في العمق، ولا تتنقل هنا وهناك من غير مبالاة، لكنها تتوقف وترحب بالإنسان كله، وبكل إنسان مهما كانت حالته الصحية، ولا يترك أحدًا جانبًا، بل يدعو كل واحد إلى الدخول في حياته ليختبر الحنان”. وأضاف البابا أن يسوع المسيح يحمل هذه المشاعر “لأنه هو نفسه صار ضعيفًا، واختبر معاناة البشرية وتلّقى السند والراحة من الآب”.
توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند أشكال المعاناة الخطيرة مثل الأمراض المستعصية والمزمنة، والأمراض النفسية، والأمراض التي تحتاج إلى إعادة تأهيل أو علاجًا مسكِّنًا، والإعاقات المختلفة، والأمراض في الطفولة وفي الشيخوخة، وقال ” في هذه الظروف يظهر في بعض الأحيان أن هناك نقص في الإنسانية، ولهذا من الضروري أن يكون التعامل مع المريض وفقا لحالته، ويجب أن يرافق العلاجَ الاهتمامُ الشخصي بالمريض، لتحقيق شفاء انساني متكامل. في حالة المرض، لا يشعر الشخص بالضعف في جسده وحسب، بل أيضًا في علاقاته مع الناس، وفي فكره وعاطفته وحياته الروحية؛ ولذلك فهو ينتظر، بالإضافة إلى العلاجات، الدعم، والاهتمام والانتباه… باختصار هو ينتظر المحبة. بالإضافة إلى ذلك، إلى جانب المريض هناك عائلة تعاني، وتطلب هي أيضا سندًا ومن يقف بالقرب منها”.
ثم تحدث الأب الأقدس إلى المرضى فقال “إن المرض يضعكم بصورة خاصة بين هؤلاء “المرهقين والمثقلين”، الذين لفتوا نظر يسوع وقلبه. من هنا تستمدون النور في لحظاتكم المظلمة، والرجاء في يأسكم. إنه يدعوكم للذهاب إليه، قال لكم: “تعالَوا” في الواقع، إن القلق والأسئلة التي تُثار فيكم في “عتمة” الجسد أو الروح هذه، تجد في يسوع القوة لكي تتجاوزوها. نعم، المسيح لم يعطِنا وصفات علاج، لكنه حررنا من ظلم الشر بقوة آلامه وبموته وقيامته من بين الأموات. في هذه الحالة، أنتم بالتأكيد بحاجة إلى مكان تستردّون فيه عافيتكم. وتريد الكنيسة أن تكون لكم أكثر وأفضل من أي وقت مضى “فندق” السامري الرحيم الذي هو المسيح (را. لو 10، 34)، أي البيت الذي يمكنكم أن تجدوا فيه نعمته التي تظهر في الألفة، وفي الترحيب وتقديم العزاء لكم. في هذا البيت، ستلتقون أشخاصًا شفاهم الله برحمته من ضعفهم. وسيساعدونكم على حمل الصليب فيجعلون من جراحكم الخاصة منافذ نور، تنظرون من خلالها إلى الأفق، إلى ما وراء المرض، وتتلقون النور والهواء من أجل حياتكم”.
أما إلى العاملين في مجال الصحة فيقول البابا فرنسيس في رسالته: “إن كل إجراء تشخيص، أو وقاية، أو علاج، أو بحث، أو عناية أو إعادة تأهيل هو موجَّه للمريض، الذي هو أولًا ودائما “الشخص”، الإنسان، قبل أن يكون “المريض”. لذلك، فليحمل عملكم دائمًا توقا إلى كرامة الشخص وحياته، فلا تنساقون لأي عمل ينتسب إلى الموت الرحيم، أو المساعدة على الانتحار أو قتل الحياة، حتى عندما تكون حالة المرض ميؤوسا منها. إزاء محدودية العلوم الطبية، بل أمام عجزها في بعض الحالات المرضية التي تزداد تعقيدًا أو الأمراض المستعصية، أنتم مدعوون إلى الانفتاح على البعد السامي، الذي يستطيع أن يقدم لكم المعنى الكامل لمهنتكم. إننا نُذكِّر أن الحياة مقدسة وتنتمي لله وحده، وبالتالي هي غير قابلة للتصرف ولا يجوز الاعتداء عليها. يجب قبول الحياة، وحمايتها واحترامها وخدمتها منذ بزوغها وحتى نهايتها: هذا ما يقتضيه في الوقت نفسه العقل والإيمان بالله، رب الحياة. وعليكم أن تختاروا اعتراض الضمير في بعض الحالات، حتى تبقوا أمناء لقول “نعم” للحياة والانسان. في أي حال، مسؤوليتكم المهنية، التي تحييها المحبة المسيحية، هي أفضل خدمة تقدمونها للحق الإنساني الحقيقي، أي الحق في الحياة. عندما لا تستطيعون أن تحققوا الشفاء، يمكنكم دائمًا أن تقدموا علاجا آخر بأعمال ووسائل توفِّر الراحة وتخفّف عن المريض”. وأشار البابا فرنسيس في هذا السياق بأسف إلى أنه “في بعض الأماكن التي تشهد الحروب والصراعات العنيفة، يتم استهداف العاملين في المجال الصحي والمَرافق التي تستضيف المرضى وتعتني بهم. وفي بعض المناطق، تسمح القوة السياسية لنفسها بتسخير المساعدة الطبية لصالحها، مما يحد من الاستقلال الذاتي الصحيح لمهنة الرعاية الصحية”.
وفي ختام رسالته لمناسبة اليوم العالمي الثامن والعشرين للمريض أكد قداسة البابا فرنسيس أنه يفكر في الكثيرين الذين لا تتوفر لهم إمكانية الحصول على العلاج بسبب الفقر، ودعا بالتالي المؤسسات الصحية والحكومات في جميع بلدان العالم كي لا تهمل العدالة الاجتماعية بسبب اعتبارات اقتصادية، مشددا على ضرورة الجمع بين مبدأي التضامن والمؤازرة. شكر الأب الأقدس من جهة أخرى المتطوعين الذين يضعون أنفسهم في خدمة المرضى، ثم ختم: “إلى مريم العذراء، شفاء المرضى، أعهد جميع الأشخاص الذين يتحملون عبء المرض، وعائلاتهم، وكذلك جميع العاملين في مجال الصحة. وبكل مودة أؤكّد للجميع قربي في الصلاة، وأمنحكم من كل قلبي البركة الرسولية”.
أخبار الفاتيكان