شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | الكنيسة في لبنان | طريق الحرير بين الأمس واليوم بقلم د. ايلي مخول
طريق الحرير بين الأمس واليوم    بقلم د. ايلي مخول
طريق الحرير بين الأمس واليوم

طريق الحرير بين الأمس واليوم بقلم د. ايلي مخول

طريق الحرير عبارة عن شبكة قديمة من دروب القوافل، يربط طريقها الرئيس منطقة البحر الأبيض المتوسط برًّا عبر آسيا الوسطى بشرق آسيا. تعود التسمية إلى الجغرافي الألماني فرديناند فون ريشتهوفن، الذي عاش في القرن التاسع عشر، والذي استخدم المصطلح لأول مرة عام 1877

لم يتم نقل الحرير فقط على طريق الحرير، ولكن أيضًا بضائع مثل التوابل والزجاج والخزف: مع التجارة انتشر أيضًا الدين والثقافة. هكذا أفلحت البوذية عبر درب الحرير في بلوغ الصين واليابان حيث باتت الديانة السائدة. وعن هذا الطريق دخلت المسيحية الصين. ووصل الإلمام بالورق والبارود على طول درب الحرير إلى المنطقة العربية، ومنها فيما بعد إلى أوروبا.

السلع التجارية 

بالنسبة للغرب، كان الحرير بالتأكيد السلعة غير العادية التي سلكت طريق الحرير. ثم ان هذه المادة قد أعطت أيضا هذا الدرب اسمه. ومع ذلك، فإن هذا المصطلح لا يعكس واقع التجارة بشكل صحيح، لأن بضائع أخرى كثيرة قد جرى تبادلها أيضًا على هذه الطرق التجارية. كانت القوافل تنقل باتجاه الصين الذهب والأحجار الكريمة، وقبل كل شيء الزجاج، لذا أشار الباحثون إلى أنه من منظور شرقي، يمكن أن يطلق على “طريق الحرير” أيضًا “طريق الزجاج”. في الاتجاه المعاكس – وبجانب الحرير – أمكن بخاصة نقل الفراء والخزف والصيني واليشم والبرونز والورنيش (لاكيه) والحديد. يُذكر ان تبادل العديد من هذه السلع كان يجري في الطريق، حيث يتغير مالكها عدة مرات، فتزداد قيمتها قبل أن تبلغ وجهتها النهائية.

بالإضافة إلى الحرير، كانت التوابل على وجه الخصوص سلعًا مهمة من جنوب شرق آسيا حتى العصر الحديث. تم استخدامها ليس فقط كتوابل ونكهات، ولكن أيضًا كأدوية ومواد مخدرة ومنعّظة وعطور و”مشروبات سحرية”.

ومع ذلك، كان الحرير هو المنتج الصيني الأكثر طلبًا. يرقى تطور نسج الحرير في الصين إلى الألفية الثانية قبل الميلاد. لكن إنتاجه بكميات كبيرة للتصدير، إلى جانب تدريب صنّاع الحرير، بدأ أول ما بدأ نهاية “عصرالممالك المتحاربة” في القرن الثالث ق. م. جدير بالذكر أنه  تم العثور على أقدم اكتشافات الحريرالصيني في أوروبا في قبر الأمير السلتي على مقاطعة هوينِبورغ (الواقعة على نهر الدانوب)، والتي يعود تاريخها إلى القرن السادس قبل الميلاد.

في الإمبراطورية الرومانية، دخل الأرجواني والزجاج  ضمن الكماليات. وحدهم كبار الأغنياء كان باستطاعتهم اقتناء كميات بسيطة من المواد الثمينة. خلال عهد أوغسطس (أسس النظام الامبراطوري بعد اكسيوم 31 . أقرّ السلم وشجّع الأدباء. في ايامه ولد السيد المسيح في بيت لحم بفلسطين)، عندما كانت النهاية الغربية لطريق الحرير آمنة، كثر طلب الطبقة العليا الرومانية بشكل متزايد للحرير الشرقي والتوابل والجواهر. وعلى الرغم من أن الرومان الشرقيين في عهد الإمبراطور يوستينُس، تمكنوا في نهاية الأمر من بناء إنتاجهم من الحرير بمساعدة اليرقات المهربة، ظل استيراد الحرير الصيني مهمًا للغاية.

تنظيم التجارة 

غالبًا ما أثار قطّاع الطرق واللصوص مشكلة أمنية بسبب التدفق الكبير للسلع والثروة. لذلك قامت إمبراطورية هان بتجهيز قوافلها بحماية مرافقة خاصة وتوسيع سور الصين العظيم باتجاه الغرب.

كان تنظيم التجارة عبر القارات معقدًا وصعبًا. وقد تطلب الأمر تنظيم ونقل بهائم لا تحصى وعدد كبير من سائقي المواشي وأطنان من السلع التجارية. وكان لا بد، خلال الرحلة الطويلة، من رعاية الناس والحيوانات في ظل ظروف جغرافية ومناخية صعبة. في العادة، لم يقطع التجار مسافة الطريق بالكامل لبيع بضائعهم. بل الأرجح أن التجارة كانت تجري على مراحل مختلفة من الطريق ومن خلال العديد من الوسطاء. في حين أن الطرف الغربي من طريق الحرير وقع تحت سيطرة البارثيين لفترة طويلة وبعد ذلك الساسانيين، في آسيا الوسطى كانت مجموعات مختلفة من قبائل الخيّالة (انظر على سبيل المثال كسيونغنو Xiongnu ، الهُون الإيرانيون، أتراك الكوك) هي التي سيطرت على تبادل البضائع.

التجار السُغديون (أمّة ايرانية الأصل دخلت في طاعة الفرس على ايام داريوس 522 – 486 ق. م. كانت تقطن بلاد السغد. ذكرها البيروني بين شعوب ما وراء النهر) لعبوا دورًا مهمًا، حيث طالت اتصالاتهم الصين. وتُعدّ الرسائل التي وصلت من التجار السغديين مصدرًا مهمًا لتاريخ طريق الحرير.

في العصور الوسطى، استخدم طريق الحرير ايضا الرذنيون (أتى على ذِكرهم ابن خُرداذبُه حوالي العام 860، هو مؤرخ فارسي الأصل، شغل منصب صاحب البريد والخبر. روى الأخبار عن أنساب الفرس وعن الملاهي والموسيقى والشراب وصناعة الطعام. له “المسالك والممالك”). بالإضافة إلى الواحات، كانت تقطع الطريق من خلال محطات عسكرية هي بمثابة نقاط ] إختيارية [التوقف لتبديل الخيول، وتأمين حركة المرور.

اكتسب الجمل وموطنه آسيا الوسطى، أهمية كبيرة كوسيلة للنقل. يتميز بمقاومته للحرارة ويغطي جسده شعر يطلق عليه “الوبر” يساعده في التكيف بشكل جيد مع تقلبات درجات الحرارة القصوى التي تمتاز بها المناخات القارية في السهوب، بينما استخدمت الدواب في المناطق الجبلية وحيث التفاوت  الكبير في الارتفاعات.

حذرت الأبحاث الحديثة من أن حجم التجارة البرية والمسالك التجارية المختلفة غالبًا ما يتم المبالغة في تقديره لأن طريق الحرير لم يكن مسارًا واحدًا ومتواصلا من الشرق إلى الغرب. فغالبًا ما كان النقل مقتصرا على تفريغ البضائع في محطات مختلفة ويستغرق وقتًا طويلاً. أضف إلى أنه في الأبحاث الأكثر قِدما لم يتم بشكل كافٍ تقدير أهمية مواقع النقل الطبيعية، مثل آسيا الوسطى وبلاد فارس.

الثقافة ونقل التكنولوجيا

كان نقل الإنجازات التقنية أو السلع الثقافية والإيديولوجيات أقل تعمّدا من تبادل السلع. فالرحلات الطويلة بمختلف أنواعها، أكانت تجارية أو سياسية أو تبشيرية، حفزت التبادل الثقافي بين مختلف المجتمعات. فجرى تداول الأغاني والقصص والأفكار الدينية والآراء الفلسفية والمعارف المجهولة بين المسافرين، وعلى مدى قرون عديدة، حيث كان طريق الحرير مكان التبادل الأكثر ديمومة والبعيد المدى والمتنوع بين الشرق والغرب.

بالإضافة إلى إدخال أطعمة جديدة، كان هناك أيضًا تبادل زراعي ثقافي.

كما ان تقنيات مهمة مثل إنتاج الورق والطباعة والعمليات الكيميائية مثل التقطير وإنتاج البارود، بالإضافة إلى أطقم (جمع طقم) الفرَس ورُكُب (جمع رِكاب) الخيل الأكثر كفاءة قد انتشرت عبر طريق الحرير من آسيا إلى الغرب.

شيوع الأديان 

كانت الأديان بضاعة دائمة بشكل خاص تم نقلها على طول طريق الحرير. فعلى سبيل المثال جاءت البوذية من الهند إلى الصين واليابان عبر الطريق الشمالي. ثم ان بعض الأوصاف الأولى لطريق الحرير قد أطلقها حجاج صينيون سافروا إلى موطن البوذية الهندي.

عبد المغول والشعوب التركية في الأصل إله السماء تِنغري، وسادت الزرادشتية في إيران وبرثيا في حين كان للسغديين عقيدتهم الشعبية (الخرافة).

كانت المسيحية موجودة في وقت مبكر في آسيا الصغرى وإيران. في القرن الخامس، نشأت في الإمبراطورية الساسانية الكنيسة السريانية الشرقية، التي تبنت النسطورية. في ذلك الوقت  أمكن النسطورية الانتشار شرق إيران وصولا الى بلاد السغد وباكتريا. وبلغت سمرقند في القرن الثامن. في حوض تاريم (يقع في أقصى غرب جمهورية الصين الشعبية. تبلغ مساحته مليون كيلومتر مربع وهو الأكبر في آسيا الوسطى) تواجدت أول موجة تبشير في القرن الثامن وثانية في القرن الحادي عشر. في بلد السبعة أنهر أقيم في الفترة بين القرن التاسع والرابع عشر، العديد من شواهد القبور النسطورية. وبالفعل وصل المؤمنون إلى شيان، عاصمة الصين آنذاك، على نحو ما تدلل عليه مسلّة نصبت عام 781. يذكر أن مرسومًا صينيا صدر في العام 845 يعارض جميع الأديان الأجنبية ويتصدّى للنسطورية التي غُيّبت هناك في القرن العاشر. مع حكم المغول، عاشت (النسطورية) عصرا ذهبيا ثان الى ان اختفت نهائيا في الصين في القرن الرابع عشر. كذلك استمر الإيمان الديني بين الشعوب التركية حتى القرن الرابع عشر، عندما تم القضاء عليه على يد تيمورلنك، أحد أتباع الإسلام.

في المستعمرات التجارية الهامة للسغديين، كان هناك نسطوريون وبوذيون بالإضافة إلى العديد من المانويين (المانيشيين)، كما في الصين في القرن السابع.

في مطلع القرن الجديد، امتدت البوذية الى منطقة الحدود الهندية الإيرانية، في قندهار وكوشان  تحت التأثير الهلنستي، اللغة الرسمية مع شخصية بوذا البشرية. كان كانيشكا الأول، ملك إمبراطورية كوشان، لأسباب سياسية من المروجين للبوذية في منطقة طريق الحريرالأوسط. اكتسب الدين الكثير من الأتباع في بلاد السغد في القرنين الثالث والرابع. وجاءت البوذية لأول مرة إلى الصين في مستهل القرن، وتعززت خلال عهد أسرة وي الشمالية في القرنين الرابع والخامس، إلاّ أن تأثيرها الواسع كان في القرن السابع.

انتشار الأمراض 

تمامًا مثل الأفكار الدينية أو السلع الثقافية، إنتشرت الأمراض والعدوى مرارا  وتكرارا على طول طريق الحرير. وقد ساعد المسافرون لمسافات طويلة العوامل المسببة على الانتشار خارج مناطقهم الأصلية، مهاجمة السكان الذين لم يرثوا ولم يكتسبوا مناعة ضد الأمراض التي أحدثتها. وقد أدى ذلك إلى ظهور أوبئة كان لها عواقب وخيمة.

ربما يكون المثال الأكثر شهرة وانتشارًا للأمراض على طول طريق الحرير في أوروبا هو تفشّي الطاعون في أوروبا الوسطى حوالي 1348. (ذهب ضحيته 25 مليون انسان، أي ثلث السكان آنذاك)، وانتقل عبر الطرق التجارية ومنها درب الحرير الى أوروبا. بحسب التقديرات قضت الجائحة في الأراضي المعروفة اليوم بألمانيا على عُشر السكان لا سيما في هامبورغ وكولونيا وبريمن. بحسب فرضية المؤلف وليام بِرنشتاين، فإن السلام  المغولي، الذي أعقب العاصفة المغولية في القرن الثالث عشر، سمح مرة أخرى بقيام اتصالات تجارية مكثفة ومباشرة بين أوروبا وآسيا. وصل الطاعون أيضًا عن طريق السفن التجارية من كَفّا (فيودوسيا اليوم) في شبه جزيرة القرم وعزز نقل الفراء على وجه الخصوص انتشارها السريع. في هذا السياق، من غير الواضح لماذا لم يتسبب الطاعون بوفاة عدد مماثل في الصين والهند. بل ان الهند، ذات الكثافة السكانية نفسها في القرن الرابع عشر قد سجلت زيادة في عدد السكان؛ أما في الصين فقد فاق عدد الذين ماتوا بسبب المجاعة والحروب ضد المغول عدد الوفيات بالطاعون.

في الطبيعة 

من المبالغة القول ان طريق الحرير كان مسلكا أهدته الطبيعة. يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الصين عبر المناطق القاحلة والصحاري، وهو واحد من أكثر مسالك الأرض وَحشة، يمرّ عبر أراض محروقة، قاحلة تفتقرالى المياه ولا يربط واحة بأخرى. يخترق بلاد الرافدين والسهول الإيرانية العالية ووهاد (أراضي منخفضة) توران. وبمجرد الوصول إلى حوض تاريم وصحراء تكلاماكان، تصبح محاطا بأعلى السلاسل الجبلية على وجه الأرض: تيان شان في الشمال، بامير في الغرب، كاراكورام في الجنوب الغربي وكونلون في الجنوب. ثمة فقط عدد قليل من الممرات الجليدية التي تعد من بين الأصعب في العالم مع وديانها العميقة و 5000 متر من المرتفعات التي يجب التغلب عليها، تقود عبر الجبال. المناخ قاس أيضًا: عواصف رملية شائعة، في الصيف ترتفع حرارة الطقس إلى أكثر من 40 درجة مئوية وفي الشتاء غالبًا ما تنخفض إلى ما دون 20  درجة مئوية تحت الصفر.

أساس طريق الحرير في العصور الوسطى 

يمتد أساس طريق الحرير، الذي يُطلق عليه أيضًا طريق الحرير الأوسط ، من الهضبة الإيرانية الشرقية ومدينة مرو في الغرب إلى صحراء جوبي ومدينة دونهوانغ في الشرق والفرع في الجنوب إلى كشمير وبيشاور. يربط بين ثلاث من أهم المناطق الثقافية الآسيوية: إيران والهند والصين. تتميز البلاد بالصحاري مع مدن الواحات القديمة، والسهوب الكازاخية في الغرب والسهوب المنغولية في الشرق وكذلك الجبال العالية.

التاريخ 

أقدم التقارير عن مسار طريق الحرير تأتي من العصور القديمة اليونانية – الرومانية. هيرودوتُس وصف حوالي 430 قبل الميلاد محطات الطريق بحسب أسماء السكان المقيمين هناك. كان الطريق يمر في البداية شمالًا من مصب نهر الدون قبل أن يتجه شرقًا إلى منطقة البارثيين وعلى طول مسار قافلة شمال تيان شان إلى مقاطعة كانسو غرب الصين. يَذكر ان خطوط الإتصال بين مناطق آسيا الداخلية وكذلك بين الصين وأوروبا قائمة منذ القِدم أقلّه منذ بداية العصر البرونزي. كانت تستند، بين أمور أخرى، إلى تبادل المعرفة لاستخراج المعادن ومعالجتها وكذلك مقايضة السلع التجارية، وتمكين الاتصالات الدبلوماسية وتعزيز المعرفة بثقافة الآخر. ومع ذلك، لم تكن هذه الاتصالات متواصلة بحال من الأحوال، حيث أن معظمها كان يجري من خلال وسطاء، ويتوقف بشكل متكرر لفترات طويلة ما أعاق حركة التجارة والمرور وتبادل المعلومات.

فجر التاريخ 

في القرن الخامس قبل الميلاد أنشأ الملك الفارسي داريوس الأول الطريق التي حملت اسمه وبلغ طولها 2699 كم، وقد شكلت في الجزء الشرقي لاحقًا مسار طريق الحرير.

إمبراطورية الإسكندر 

وحّدت الإمبراطورية العظيمة التي أنشأها الإسكندر الكبير حتى 323 قبل الميلاد تحت سلطة واحدة، المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط وباكتريا حيث امتدت إلى وادي فرغانة وتاكسيلا الهندية. بذلك أمكن تطوير العلاقات التجارية المستمرة بين الشرق والغرب من قبل الإمبراطورية الأخمينية والإمبراطوريات الهِلّينستية التالية.

ثم ان الإمبراطورية السلجوقية والمملكة اليونانية-البكتيرية (القرنان الثالث والثاني قبل الميلاد) وكذلك الهيلينية الفعّالة في آسيا الوسطى، كانت مؤاتية لتطوير طريق الحرير الغربي.

الصين في عهد أسرة هان 

كان التوسع الصيني في الغرب سببا سياسيا أساسيا لفتح مجمل الطرف الشرقي لطريق الحرير.

في السنوات التي تلت ذلك، ازدهرت التجارة على طول طريق الحرير، مما أدى إلى إغراق عاصمة إمبراطورية هان بالمسافرين الغربيين والسلع الفاخرة.

الإمبراطورية الفرثية 

بلغ الفرثيون (شعب مزيج من السفيت والإيرانيين، استقر في القرن الأول ق. م.. في بلاد خراسان) أوج قوتهم اعتبارا من 141 قبل الميلاد. تحت حكم الملك الفرثي الشهير ميثريدات الثاني (124 – 91 قبل الميلاد) “افتتح” طريق الحرير 115 ق. م.: جاء وفد على رأسه الإمبراطور الصيني هان وودي في زيارة للتعرّف.

بينما كان الجزء الشرقي آمنًا نسبيًا، بدأت النزاعات 55 ق. م. بين الرومان والفرثيين وانتهت مع الإمبراطور الروماني الأول أوغسطس في العام 20 قبل الميلاد. بعد ذلك انتعشت التجارة مع الشرق الأقصى (العلاقات الرومانية الصينية).

في العصور القديمة المتأخرة، أُعيقت جزئيا بشدة التجارة المفتوحة بين الإمبراطورية الرومانية الشرقية / بيزنطيا والإمبراطورية الساسانية الفارسية الجديدة بسبب الحروب الرومانية الفارسية في القرنين الثالث والسابع، لكنها لم تنقطع تمامًا. فتم تحويل جزء من التجارة بين الشرق والغرب خلال هذه الفترة بالتناوب عبر شبه الجزيرة العربية. علاوة على ذلك، لعبت التجارة البحرية الهندية (العلاقات الرومانية الهندية عبر البحر الأحمر إلى المحيط الهندي) زمن الإمبراطورية الرومانية دورًا مهمًا حتى نهاية العصور القديمة المتأخرة.

استكشاف 

تم إجراء الاستكشافات الأولى التي قام بها الأوروبيون في آسيا الوسطى الصينية من قبل ما يسمى بـ “المنشئين” (جمع منشي بالفارسية أو منشئ بالعربية أي مدرّس أو كاتب أو أمين سرّ)، وهم السكان المحليون الذين جندّهم الإنجليز لمسح الأراضي المجهولة. في 12 حزيران 1863، انطلق الهندي محمّدي حميد وسافر من كشمير إلى يرقند (حرفياً مدينة الجرف).

إعتبارا من العام 1878 بدأت رحلات إستكشافية في المنطقة الأساسية من طريق الحرير، نذكر من بين من قام بها سْفين هيدين (1895)، أوريل شتاين، ألبرت غرونفيدل، ألبرت فون لو كوك، بول بيليو، بيوتر كوسميتش كوسلوف ولانغدون وارنر. تم تمويل رحلات أخرى من قبل الياباني أوتاني كوزوي. في السنوات التالية، أعيد اكتشاف العديد من الخرائب ورسم خرائط لها، كما نقلت مخطوطات ونقوش على الحائط إلى المتاحف الألمانية والروسية والفرنسية واليابانية والإنجليزية. وقام سفين هيدين برحلة علمية أخرى على طول طريق الحرير استمرت من 1927 إلى 1933. تبعتها 1933-1935 بعثة أخرى بتكليف من الحكومة الصينية. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، قامت الصين باستكشاف الجزء من طريق الحرير الواقع على أراضيها، وكان عالم الآثار الكبيرهوانغ وينبي أحد أركانها.

اليوم تشتكي الصين سرقة العديد من أصول التراث الثقافي على يد الحملات الغربية في ذلك الوقت.

طريق الحرير اليوم 

توسيع طرق المواصلات 

حظيت طرق المواصلات المهملة منذ فترة طويلة باهتمام أكبر منذ الخمسينيات وخاصة منذ نهاية الاتحاد السوفيتي. وربطا بالتسمية القديمة “طريق الحرير”، يجري الإشارة إلى العديد من المشاريع الجديدة باسم “طريق الحرير الجديد”.

تدعم الأمم المتحدة منذ الخمسينيات توسيع شبكة النقل الآسيوية (مشروع الطريق السريع الآسيوي). ومنذ تسعينيات القرن العشرين، يجري في إطار “ممر النقل الاوروبي القوقازي الآسيوي” (TRACECA) الذي طرحه الاتحاد الأوروبي، تحفيز عملية توسيع البنية التحتية بين أوروبا وآسيا الوسطى. في العام 2000، أطلقت الحكومة الروسية “ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب” (INSTC) ردًا على TRACECA.

أما مشروع البنية التحتية “مبادرة الحزام والطريق” (BRI)، الذي تسعى الصين إلى تحقيقه منذ 2013، فقد حظي بأكبر قدر من الاهتمام العام، إذ انه يقضي بتطوير أو توسيع مجموعة متنوعة من المرافق (مثل محطات أعماق البحار أو محطات الحاويات) والربط (مثل الخطوط الحديدية أو أنابيب الغاز) لهذا الغرض.

مبادرة الحزام والطريق 

تهدف “مبادرة الحزام والطريق” إلى إنشاء منطقة اقتصادية أوروبية آسيوية تمتد من البحر الأصفر على الساحل الشرقي للصين إلى المحيط الأطلسي وتشمل أيضًا إفريقيا. الممرات الحالية هي من ناحية وصلات برية عبر تركيا أو روسيا ومن ناحية أخرى وصلات من ميناء شنغهاي، عبر هونغ كونغ وسنغافورة نحو الهند وشرق إفريقيا ودبي وقناة السويس وميناء بيرايوس اليوناني إلى نقطة تلاقي المواصلات اللوجستية حول تريستي (ايطاليا). أما الحركة الاقتصادية مع إفريقيا فمن المقرر أن تمر في جزء كبير منها عبر”طريق الحرير البحري”  أو “طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين” في جنوب آسيا. وهو يربط الساحل الصيني وكل جنوب شرق آسيا بالشرق الأوسط وشرق إفريقيا وصولاً إلى أوروبا.

المشاركون في بداية قمة الحزام والطريق 2017 

منذ 2005، جرى استثمار مليارات الدولارات في تجديد وتوسيع شبكة الطرق؛ بدأت مبادرة الحزام والطريق 2013 – وهي تشمل حوالي 70 دولة وإطار استثماري يصل إلى 1000 مليار دولار. سيتم بناء أو توسيع موانئ وطرقات وخطوط حديدية ومراكز لوجستية وأخرى تجارية على طول “طريق الحرير الجديد” من أجل إنشاء ممرات تجارية جديدة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. هذه المبادرة ليست لعبة محاكاة عاطفية لطرق التجارة القديمة بين مدينة البندقية الشاطئية والشرق البعيد، بل تخدم اعتبارات استراتيجية للمنافسة الاقتصادية الجيوسياسية.

تمتد الممرات الاقتصادية وخطوط النقل المرتقبة عن طريق البحر من ميناء المياه العميقة في شنغهاي يانغشان، عبر هونغ كونغ وسنغافورة وبورت كلانج (ماليزيا) ولايم تشابانج (تايلاند) وكولومبو (سري لانكا) إلى جيبوتي أو دار السلام في تنزانيا وعبر قناة السويس، ميناء بيرايوس اليوناني (الذي سيقوم المستثمرون الصينيون بتوسيعه ليصبح ملتقى متحرك في شرق البحر الأبيض المتوسط) وصولا إلى ميناء ترييستي الحر وذي المياه العميقة مع روابطه بأوروبا الوسطى. وبصفة كونها طريقا بريا، فهي تصل من مدينة ييوو الساحلية الصينية عبر قيرغيزستان وإيران إلى تركيا أو عبر بكين وموسكو إلى أوروبا الغربية. بالنظر للدول المعنية، مثل إيران، كازاخستان، روسيا أو أوزبكستان، لا يعتبر الطريق البري على وجه الخصوص مستداما وآمنا وسالكا (قابلا للسير) ونفّاذًا. هناك أيضًا جهود كبيرة في المنطقة العربية (خاصة في المملكة العربية السعودية ومصر) وفي إيران لتصبح جزءًا من النقل البحري بين الصين وأوروبا من خلال توسيع البنية التحتية. بالنسبة للعديد من هذه المشاريع، فإن النموذج هو المنطقة الحرة بجبل علي في دبي، حيث استقرت 7000 شركة. وفقًا للتقديرات، يمكن أن تمثل التجارة على طول طريق الحرير قريبًا ما يقرب من 40٪ من إجمالي التجارة العالمية، حيث يأتي جزء كبير منها من البحر.

ثمة اليوم طرق تجارية طويلة ذات شأن تمر من ترييستي إلى تركيا أو اليونان ومنها الى إيران أو قناة السويس باتجاه الصين. بالنسبة للوصلات البرية بشرق آسيا يتم استخدام المقطورات في حركة مرور شحن وتفريغ بمختلف الوسائل والآليات (Roll on Roll off). منذ 1990، هناك خط سكة حديد طوله 10870 كيلومتر يربط روتردام في أوروبا بمدينة ليانيونغانغ الساحلية بشرق الصين في مقاطعة جيانغزو.

الطرق البرية 

كان جزء من طريق الحريرالواقع بين باكستان ومنطقة شينجيانغ المتمتعة بالحكم الذاتي في الصين دربًا مرصوفا بالحصى عندما بدأ العمل 1958 لتحويله إلى طريق إسفلتي متعدد الخطوط (طريق كاراكورام السريع). في العام 1959 باشرت الأمم المتحدة بتنفيذ مشروع طريق رئيس عبرآسيا. ومنذ خمسينات القرن الماضي دفعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ (UNESCAP) الى الأمام  مشروع خط حديدي سريع بين سنغافورة واسطنبول، وخط السكة الحديد العابر لآسيا. وهناك خطة منذ 2001 لإنشاء أربعة ممرات.

سكة حديد بحاويات من شركة China Railway Express Co. في ألمانيا، 2016

سهّل بناء الطرق، الذي وفّره اكتشاف احتياطات نفطية كبيرة، الوصول إلى الأصقاع الوعرة وتصنيع المناطق. كما أعيد فتح طرق التجارة إياها وهي لا تقل أهمية للسياحة. وجرى أخيرا  توسيع شبكة الطرقات الآسيوية من خلال مشروع الطرق السريعة الآسيوية الذي تشارك فيه 32 دولة آسيوية والأمم المتحدة (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ).

تم السعي منذ 2008 الى إنشاء خط قطار شحن تجاري بين الصين وألمانيا تحت اسم Trans-Eurasia-Express (القطار العابر لأوراسيا).  ومنذ 2012 يسير قطار شحن منتظم يسمّى يوكسينو بين شونفكينغ ودويسبورغ. منذ عام 2011، نقلت Hewlett-Packard أجهزة كمبيوتر محمولة ولوازمها (قطع غيار) من موقع الإنتاج في تشونغتشينغ إلى دويسبورغ في غضون ثلاثة أسابيع خلال أشهر الصيف. ودخل حيز التنفيذ 2012 تخليص الجمرك من قبل الاتحاد الجمركي بين روسيا البيضاء وكازاخستان وروسيا. وتم 2016 تسيير ما مجموعه 1700 قطار شحن بين الصين وأوروبا ؛ في مايو 2017، تم تشغيل 116 قطارًا من دويسبورغ إلى الصين.

الممرات البحرية 

تحت اسم “طريق الحرير البحري”، تعمل مبادرة الحزام والطريق أيضًا على تعزيز توسيع التجارة البحرية بين الصين والدول الآسيوية الأخرى وأفريقيا وأوروبا – بالتوازي مع الطرق البرية. هناك أيضًا تغييرات أساسية في تدفق السلع والتجارة:

  • المحيط الهادئ يتطور إلى ملتقى للتجارة العالمية
  • موانئ الأطلسي فقدت من أهميتها نسبيا
  • تتحول طرق النقل بين آسيا وأوروبا من شمال غرب أوروبا إلى أوروبا الجنوبية

تستفيد الموانئ الهامة في ترييستي وبيرايوس على وجه الخصوص من الانتعاش في جنوب أوروبا، ولكن أيضًا مرفأ البندقية شمالي الأدرياتيكي، الذي يبلغ غاطسه أو مسحوب مائه (وهي كمية الماء التي تسحبها السفينة حين تغطس) 12 مترًا، ومرفأ كوبرغير المجهز بخط حديدي عالي الأداء باتجاه المناطق المجاورة. ثم ان المواصلات السريعة بالشاحنات والقطارات واستخدام قناة السويس تلعب دورًا على وجه الخصوص بالنسبة للبضائع مثل الملابس والإلكترونيات وقطع غيار السيارات. بالإضافة إلى التشبيك (الربط بالشبكة) مع اليابان والصين وكوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، ينطبق هذا أيضًا على التجارة مع الهند وباكستان وخاصة مع مومباي وكلكوتا.

في أوروبا، يعزز “طريق الحرير البحري” التشبيك بين المناطق فيما يتعلق بنقطة تلاقي المواصلات الحديدية وموانئ المياه العميقة. فعلى سبيل المثال، يجري توسيع خط بلغراد – بودابست الحديدي. يرتبط ميناء دويسبورغ أيضًا تقليديًا بموانئ بحر الشمال مثل روتردام (هولندا) وأنتفرب (بلجيكا)، ولكنه يتعاون الآن مع ميناء تريستي، الذي يبلغ مسحوب مائه) (غاطسه) 18 مترًا ويتصل عبر البحر الأبيض المتوسط ، وقناة السويس بالشرق الأقصى، ويعتبر آخر خط “طريق الحرير البحري”. ولا بد من توسيع وصلات قطارات الشحن الحالية بين كِيل (شمال المانيا)، الميناء البحري والموقع اللوجستي (وصلات إلى الدنمارك والسويد والنروج وفنلندا وليتوانيا وروسيا) مع ترييستي (أهم مرفأ في الاتحاد الأوروبي لخطوط العبارات ووجهته تركيا) وبالتالي الاتصالات مع الدول الاسكندنافية والشرق. من خلال اتصالاتها، تعمل مؤسسة السكك الحديدية دويتشه بان Deutsche Bahn على تطوير ميناء مونفالكوني بشمال إيطاليا إلى مركز توزيع للسيارات على ساحل البحر الأدرياتيكي بهدف تقصير مدة النقل بمعدل ثمانية أيام. هناك أيضًا على محور الأدرياتيك-البلطيق وصلات قطارات الشحن بين نقطة تلاقي المواصلات في ترييستي وميناء روستوك (ألمانيا) المهم على البلطيق  والذي يشمل أيضًا البلدان الاسكندنافية. بين عامي 2015 و 2018، تضاعف عدد قطارات الشحن المغادرة ميناء ترييستي ليصل إلى 10000، واشتدت بخاصة حركة القطارات باتجاه النمسا وألمانيا واللوكسمبورغ وبلجيكا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية تشيكيا,

 السياحة – على طريق الحرير، 1992 

يحظى طريق الحرير اليوم بقيمة أقرب الى الغموض والمغامرة، وذلك لأن التصوف الشرقي للطريق يقترب من الغرب من خلال الكتب والرحلات التي تجذب، “على خطى ماركو بولو”، عددًا متزايدًا من السياح إلى هذه المناطق النائية.

لقد أدركت الصين بسرعة فائقة الإمكانات السياحية من خلال فتح أبوابها أواخر السبعينات أمام المسافرين الأجانب. ونتيجة لذلك، جرى ترميم العديد من المعالم السياحية والآثارالثقافية على طول طريق الحرير، وتم إيلاء عناية رسمية لتأمين الحفاظ على تلك الصروح. بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام الحفريات الأثرية لتتبع الحياة على طول طريق الحرير. فيقع معظم المسافرين على طول صحراء تاكلامكان على أطلال مدينة وبقايا كهوف. ومع ذلك فإن عامل الجذب الرئيس هو السكان وأسلوب الحياة الذي تم الحفاظ عليه حتى يومنا هذا. يأتي العديد من السياح اليوم من اليابان لزيارة المواقع التي نقلتها الديانة البوذية في طريقها إلى اليابان.

لا يزال القيام برحلة إلى منطقة تاكلامكان صعبا للغاية حتى اليوم، على الرغم من بعض الارتياح بسبب الظروف المناخية والجغرافية.

تم إغلاق آخر فجوة في خط السكك الحديد على طول طريق الحرير عام 1992 مع افتتاح خط ألماتي – أورومكي الدولي. ومع ذلك، لا توجد على طول طريق الحرير قطارات عابرة أو اتصالات موقوتة للإنتقال من قطار الى آخر بين بكين وطهران أو بكين وموسكو.

تهريب 

يُعرف طريق الحرير السابق اليوم أيضًا باسم طريق الهيرويين السريع لأنه يُستخدم على سبيل المثال لتهريب المخدرات وخاصة الأفيون والهيرويين من أفغانستان إلى أوروبا والصين وروسيا وكذلك نقل الأنهيدريد الخلّي (مركّب يُشتق بفصل عناصر الماء من مادة ما) الضروري لإنتاج الهيرويين من أوروبا إلى أفغانستان. فعلى سبيل المثال يجري تهريب حوالي 700 طن من الهيرويين عبر طاجيكستان كل عام، ويتم مصادرة حوالي 43 طنًا فقط من المخدرات المختلفة.

الجوانب الجيوستراتيجية 

مع نهاية الاتحاد السوفيتي وصعود الصين، تجذب المناطق الأساسية لطريق الحرير، والتي كانت مهمشة فترة طويلة، المزيد من الإهتمام العام. وتشمل هذه المجالات الأساسية

  • مقاطعة شنجاك الواقعة في أقصى غرب الصين
  • أفغانستان
  • مع كشمير وشمال الهند والأجزاء الشمالية من باكستان
  • طاجيكستان
  • قيرغيزستان
  • أوزبكستان
  • تركمانستان
  • محافظة خراسان (السابقة) في شمال شرق إيران.

هناك في المنطقة تراكم للصراعات التي لم يتم حلها، والتي غالبا ما تكون دموية. وثمة تداخل بين الصراعات العرقية والميول الإسلاموية، وكذلك مساع روسية لاستعادة النفوذ المفقود ومحاولات الصين والولايات المتحدة لكسب النفوذ وجهود القوى العظمى الثلاث لمكافحة الإسلاموية.

في العام 1999، تم في الولايات المتحدة تحديد المصالح الأميركية في آسيا الوسطى من خلال “إستراتيجية طريق الحرير”. وجرى تعيين أهداف أوروبا الاقتصادية 1993 في مشروع TRACECA (“ممر النقل الاوروبي القوقازي الآسيوي”)، والأهداف الصينية ابتداء من 2013 في مشروع “حزام واحد، طريق واحد”.

د.ايلي مخول

عن ucip_Admin