يبدو أن خيارات رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط قد رست هذه المرة على لبنان «هانوي» وليس لبنان «هونغ كونغ»، ويبدو بالنسبة له أن التدخل في صراعات المنطقة هو مدرسة سياسية بدل الحياد الذي وصفه «بالهرطقة السياسية»، ويبدو بالنسبة له ايضاً أن لبنان ساحة الحرب والقتال وثكنة عسكرية هو الحقيقة التي يريدها، باعتبار أن لبنان المصارف والسياحة «مزيف».
لقد دل الكلام الأخير لجنبلاط بحسب بعض المتابعين لحركته الى أنه على قاب قوسين أو أدنى من الانضمام إلى محور الممانعة، وكل كلام آخر للقول بأن هناك خلافاً كبيراً ما زال قائماً بينه وبين هذا المحور هو في إطار محاولة تحسين شروط الانضمام، وربما فيه رسالة إلى أبناء الطائفة الدرزية بأنه ما زال متمسّكا ببعض العناوين التي كان قد خاض على أساسها الانتخابات النيابية ويبدو أنها كانت عناوين إنتخابية، لا أكثر ولا أقل.
ويتوقع متابعون لحركة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي ومواقفه أن ما يعلنه جنبلاط اليوم إلى جانب محور الممانعة سيستكمله في الفترة المقبلة وصولاً إلى أن يؤيّد علناً مرشح المحور إلى رئاسة الجمهورية، كائناً من كان، شرط ألّا يتمتع هذا المرشح بحيثية مسيحية شعبية. ويفيد هؤلاء أن جنبلاط أخطأ عندما طالب برئيس يشبه الرئيس الراحل الياس سركيس، فالرئيس سركيس لم يكن على عداء مع قائد «القوات اللبنانية» الرئيس الشهيد بشير الجميل آنذاك، وهو الذي سهل عملية انتخابه، كما أن الرئيس سركيس لم يكن على عداء مع الأكثرية المسيحية التي كانت تمثلها «الجبهة اللبنانية»، ولم يفرّط بالحقوق والهوية اللبنانية، وبالتأكيد ليس هذا هو الرئيس الذي يرغب به محور الممانعة ككل.
ربما قصد جنبلاط برئيس يشبه الرئيس سركيس، رئيساً «من دون موقف او قرار تسهل السيطرة عليه من قوة الأمر الواقع في لبنان»، ولكن الرئيس سركيس لم يكن كذلك، وقوة الأمر الواقع في لبنان تريد رئيساً في قبضتها 100%، لا تريده وسطياً ولا حيادياً ولا مستقلاً ولا سيادياً، ولا يمكن لقوة الأمر الواقع أن تأتي في هذه المرحلة برئيس كهذا ما لم يكن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي في صفوفها، وهذا الأمر بالنسبة لها ليس أمراً صعباً. فكل التجارب السابقة منذ العام 2005 حتى اليوم دلت على أنه من السهل على جنبلاط أن يبدّل موقعه بحسب راداره كما يقول البعض، ولكن الرادار في مفهوم المعارك العسكرية هو لالتقاط وتحديد أهداف العدو وتدميرها، ولكن في المفهوم السياسي لجنبلاط كما يبدو، يلتقط راداره الأهداف السياسية للخصم، وبدل تدميرها يلتحق بها.