شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | حالة المعمّدين المطلّقين مدنيّاً تزوَّجوا مرّة ثانية وإمكانية منحهم المناولة الإفخارستيّة (4)
حالة المعمّدين المطلّقين مدنيّاً تزوَّجوا مرّة ثانية وإمكانية منحهم المناولة الإفخارستيّة (4)
الطلاق

حالة المعمّدين المطلّقين مدنيّاً تزوَّجوا مرّة ثانية وإمكانية منحهم المناولة الإفخارستيّة (4)

3- عدم انحلال الزواج لدى آباء الكنيسة

تقبل الكنائس الأرثوذكسية في الواقع الطلاق المسموح بقوّة الرحمة الكنسيّة بسبب الضعف وخطيئة الإنسان، أو بسبب قساوة قلب الإنسان، وكفعل رحمة وعدالة نحو الزوج المتضرّر، خصوصاً في حالة زنى قام بها الطرف الآخر[1]. ارتكزت ممارسة الطلاق في الكنيسة الأرثوذكسية على بعض المصادر التشريعية وبعض كتابات آباء الكنيسة، على سبيل المثال كيريلوس الاسكندري، القديس يوحنا فم الذهب، القديس باسيليوس الكبير. لكن توجد نصوص لبعض الآباء قدّمت من جديد من قبل لاهوتيّين أرثوذكس متناقضة مع تعاليم آباء الكنيسة الأرثوذكسية ولا تشكل تقليداً ثابتاً بشكل كافٍ وجامعي للكنيسة الشرقيّة الأولى[2]. إنّ معظم الآباء الشرقيّين، من أمثال كيرلس الاسكندري وباسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي ويوحنا الذهبي الفم، قد اتخذوا موقفاً متسامحاً في معالجتهم الأمور الرعائية الطارئة، ولكن دون إباحة الطلاق بشكل شرعي أو قانونيّ.

كيرلوس الاسكندري، عندما يتحدث عن أسباب الطلاق يؤكّد أنّ :”ليس فقط كتابات الطلاق تحلّ الزواج أمام الله لكن أيضاً سلوك الإنسان السيء”[3]. أمّا القديس فم الذهب، يبدو أنه يقبل بالزنى كسبب “موت” عاطفي للزواج[4].

القديس باسيليوس الكبير (330- 379) عالج مسألة الزنى في تفسيره للنصّ الانجيلي متى 5، 32و 19، 9، فقبل بفكرة الزنى كسبب للطلاق: القانون 9: “إنّ الرب إلهنا ساوى بين الرجل والمرأة في المنع من الطلاق الا لعلة الزنى، وقد جرت العادة أن تبقي النساء أزواجهن وإن وقعوا في الخطيئة، أما الرجل اذا هجرته امرأته فقد يأخذ غيرها ولو كان هجرها مسبباً عن خيانته الزوجيّة، ويؤكّد باسيليوس ان المرأة التي تأخذه تقع في خطيئة الزنى، ولا يسمح للمرأة بمثل هذه الحرية، وإذا هجر الرجل امرأته وهي بريئة فلا يسمح له بالزواج”[5]. لتجنب أن تصبح امرأة الزوج الزاني هي أيضاً زانيّة، القديس باسيليوس يقول إن زنى الزوج غير مقبول من قبل الكنيسة كسبب لكي تنفصل المرأة من زوجها.

القانون 21: “ان الرجل المتزوج الذي يرتكب الفحشاء مع امرأة عزباء يعاقب بشدة ولكن ليس لدينا قانون لاعتباره زانياً وتلزم زوجه بأن تبقى مساكنة له، وإذا ارتكبت الزوجة الفحشاء يحكم بطلاقها، وإذا أبقاها الرجل عنده لا يُعدّ من الأتقياء هذه هي العادة ولكننا لا نرى لها سبباً معقولاً”[6].

يصف القديس باسيليوس العادة السائدة في وقته، وهو لا يستطيع أن يستسيغها، لكنه يقبلها بصمت. وهذه العادة لها أساس في الكتاب المقدس (إرميا 13، 1؛ 1 قورنتس 6، 16؛ بطرس 18، 22). وتقول هذه العادة إن الرجل المتزوج الذي لديه علاقات جسدية مع امرأة حرّة، يرتكب خطيئة الفحشاء، لكن الزوجة التي لديها علاقات جسدية مع رجل حرّ أو متزوج هو فعل زنى. والقديس باسيليوس، خارج حالة زنى الزوجة، يُعدّ الزوج الذي يطلق زوجته لكي يتزوج أخرى فعل زنى[7].

القانون 35:”اذا هجرت المرأة زوجها وظهر بعد الفحص أنه لم يكن من سبب لاقدامها على ذلك تقع تحت القصاص أما الزوج فلا يمنع من الشركة”[8].

إذا تبين أن الزوجة تركت زوجها بدون سبب مقبول (أي الزنى) ومن هنا يظهر أن المرأة يجوز ان تترك رجلها لسبب شرعي وهو محصور بارتكاب زوجها الفسق والزنى، وأن الرجل يستحق المسامحة اذا ظهر أن المرأة لم يكن لها عذر مقبول لهجرها اياه ويجوز له إذ ذاك أن يأخذ امرأة غيرها. أما المرأة فيقع عليها قصاص الزواني لانها كانت سبب الانفصال. وأما الزوج فينال الصفح ويسمح له بالوقوف مع المؤمنين في الكنيسة ولا يقطع ولو لم يكن أهلا لتناول الأسرار المقدسة.

القانون 58: “يفرض على الزاني اربع سنوات مع النائحين وخمس سنوات مع السامعين واربع سنوات مع الراكعين وسنتان مع المؤمنين وفي نهاية الخمس عشرة سنة يقبل في الشركة”[9].

القانون. 77: “من طلق امرأته وتزوج أخرى يعتبر زانياً ويجب حسب قوانين الآباء أن يقيم نائحاً سنة واحدة وسامعاً سنتين وراكعا ثلاث سنوات وواقفاً مع المؤمنين سنة ثم يسمح له بالشركة اذا تاب بدموع حارة”[10].

يقدّم البروفسور Prader تفسيراً في قراءته لقوانين القديس باسيليوس: “نستنتج بوضوح من هذه النصوص أن الإنسان مرتكب الزنى، إذا تزوج من جديد، يجب أن يقدّم على فعل الندامة لسبع سنوات قبل قبوله في الشركة التامة مع المؤمنين. بينما الزوج البريء مستحق للغفران، لذا، بفضل العادة القديمة، لا تطبق العقوبات الكنسيّة المقرّرة بالنسبة للزناة. من هذه النصوص لا يتضّح أن الكنيسة صرّحت بزواج جديد للمطلقين بالعودة إلى مرجع الإنجيل متى( 19، 9)”[11]. البروفسور سلاخس يقول: “قد يبدو من القانونيّن 58 و77 انّ القديس باسيليوس، مع أخذه بعين الاعتبار العادة السائدة في ذلك الوقت، يقبل بالزنى كسبب للطلاق وإمكانيّة زواج جديد، لكن مثل هذا التصريح صالح فقط للرجل البريء وليس للمرأة”[12].

أن تكون بعض الكنائس الشرقيّة قد قبلت بالطلاق في حالة الزنى، وسمحت للزوج البريء بعقد زواج جديد، “فذلك ينسب إلى العلاقات القائمة آنذاك بين الدولة والكنيسة، وإلى تأثير القانون المدني الذي كان يقرّ شرعية الطلاق والعرس الجديد في هكذا حالة. ولقد أدخلت فعلاً (La Novella Justiniani) في قضايا الطلاق المتعددة إلى كتاب القوانين الكنيسة الشرقيّة المعروف ب (Nomocanon)، ولتبرير هذا الإجراء، استغاثت الكنائس الشرقيّة بعبارة متّى الإنجيلي حول الطلاق في حالة الزنى. إلى ذلك، قبلت هذه الكنائس نفسها أسباباً أخرى للطلاق غير ذاك المذكور آنفاً، فقد اتبعت سبيلاً إنسانياً أكثر منه إيجابيّاً. مهما كانت العادة والعرف في هذه الكنائس، فقد تقيّدت الكنيسة الكاثوليكيّة دوماً بمبدأ الإنجيل حول عدم انحلال الزواج، بما أنه ليس من صلاحيتها تغيير ما هو حق إلهي”[13].

تقبل الكنيسة الأرثوذكسية بمبدأ عدم انحلال الزواج، لكنَّها تطبّق في بعض الحالات الزوجيّة غير القابلة للترميم مبدأ “أويكونوميّا”أو التدبير الرعائي، مقدّمةً حلاّ لمشاكل كثير من الأزواج، مجبرين أن يعيشوا وحدهم، في الامتناع عن ممارسة حياتهم الزوجيّة بقوّة بدون سبب من طرفهم[14].

تكلم آباء الكنيسة عن الأوكونوميا ولا سيما بخصوص سلوك الرعاة المتعلّق بالأسرار التي قبلت في الهرطقة. القديس باسيليوس، على سبيل المثال، في رسالته إلى امفيلوخيوس، برفضه معمودية الهراطقة، يقبل بالأكونوميا لإجراء قبولهم بدون إعادة منحهم المعمودية لخوف أن كثرة الصرامة قد تكون عائقاً لخلاص أحدهم. ينصّ القانون 47: “ان الانكراتيين و الساكوفوريين والابوتكتيين هم كالنواطيين من جهة إعادة معموديتهم، وقد اختلفت القوانين من جهة النواطيين و لم تختلف من جهة غيرهم، فحكموا العقل في شأنها عندكم اذا كانت ممنوعة كما هي الحال في رومة و اتخذوا خطة التدبير الكنسي، فان كل هؤلاء هم شيع من المركيونيين وإن عمدوا باسم الاقانيم الثلاثة اذ ينسبون الله أنه خالق للشر و يقولون إن الخمر و مخلوقات الله نجسة، فيجب أن يجتمع الأساقفة لأيضاًح القانون حتى إذا عمّد أحدهم أمثال هؤلاء المبتدعين يكون لديه حجة يدافع بها أمام من يسأله”[15].

كما تستخدم الكنيسة الأرثوذكسية مع مؤمنيها غالباً أويكونوميّا في حقل الأسرار. على سبيل المثال: منح سرّ المعمودية في حالة الضرورة في البيوت؛ عدم الحفاظ على الصوم الافخارستي في حالة المرض؛ الاحتفال بالأفخارستيا بدون شمامسة إذا لم يمكن لذلك؛ منح سرّ الرسامة الكهنوتية أو الشماسية قبل السن القانونيّ أو بدون الدروس المفروضة؛ تحويل أساقفة من كرسي إلى أخرى؛ تقليل من العقوبات أو التوبات؛ الاحتفال بمسحة المرضى من قبل كاهن فقط (يسمح بعض الأوقات للعلماني منح مسحة الزيت المقدس للمرضى). وأيضاً يطبق أويكونوميّا لمنح ترخيص زواج جديد لأرثوذكس مطلقين.

فعقيدة أويكونوميّا الكنسيّة هي بشكل أكيد موقف لاهوتيّ خاص بالأرثوذكسيين، فيقصد بها تصرف المحبّة الرعوية مع منتهكي القوانين؛ كمخالفة مؤقتة واستثنائية، بشكل ضروري معلّلة، تطبيقاً متشدّداً لتدبير أو تدابير تشريعية. في الحقيقة الكنيسة تطبق غالباً الأكونوميّا “كلّ مرّة، من أجل تقليل صلابة الشرع أو لتجنب الشر الأعظم”. لذلك تطبيق أويكونوميا يتناسب في حالة معينة مع شرائع الكنيسة ضمن منظور خلاص أبناء الله[16]. بينما تعبير” أكريبيّا” يعني التطبيق الصارم و الدقيق للأنظمة الكنسيّة في وجه كل مؤمن مسيحي. يقول البروفسور žužek: “إنّ معظم الكتاب تنسب مفهوم أويكونوميّا للتدابير التشريعية الصادرة عن سلطة شرعية، بفضلها، وبطريقة مؤقتة واستثنائية، يسمح في عدم تطبيق شريعة مقرّرة من السلطة العليا، وغير قابلة للتعديل من السلطة الدنيا، بهدف الحفاظ على الخير العام، و السلام في الكنيسة، الوحدة، الانسجام بين السلطة المدنيّة والسلبطة الكنسيّة،…خير الحركة المسكونيّة أو التعاون الدولي بين المسيحيين”[17].

[1] يقصد بالعبارة “إلاّ لعلّة زنى” إن عدّنا إلى أصلها للغوي البوناني، نرى إنّ غالبية الشرّاح فسّروا كلمة زنى المرادفة في اليونانيّة لكلمة (بورنيّا πορνεια) بالخيانة الزوجيّة. وعلى هذا الأساس بنى بعض المسيحيين مذهبهم التعليمي بأن الخيانة الزوجيّة هي سبب للطلاق. وهذا يتعارض مع نصوص الإجيلية وفي رسائل القديس بولس. بينما البعض ، وهم الكاثوليك، رأى فيها سبباً للهجر لا للطلاق تحاشيّاً للتناقضات التي أتينا على ذكرها. كما ونجد في اللغة اليونانيّة كلمة “ميخيّا μοιχεια” وتعني زنى المتزوجين. فإذا عدذنا إلى النص اليوناني للآية “إلاّ لعلّة زنى” لوجدنا أن متى الإنجيليّ استعمل كلمة بورنيّا وليس كلمة ميخيّا في استدراكه للطلاق. لو طالعنا بعض نصوص القديس بولس لوجدنا أن كلمة زنى بمعنى بورنيّا اليونانيّة تتطابق مع معنى لزواج غير الشرعي: “لقد شاع بين الجميع أن بينكم “زنى” وأن هذا الزنى لا نظير له بين الأمم حتى أن رجلاً يحوز امرأة أبيه” (1 قور 5: 1). فالزنى بموجب هذا النصّ ليس بخيانة زوجيّة يرتكبها الزوج أو الزوجة، بل هو مساكنة غير شرعية بين رجل وامرأة.

[2] Cf. SALACHAS D., Il sacramento del matrimonio nel Nuovo Diritto…, 39.

[3] “Non sono solo le lettere di divorzio che scioglino il matrimonio di fronte a Dio ma anche la cattiva condotta dell’uomo”. Idem, 39.

[4] Idem, 39.

[5] راجع حنانيا الياس كسّاب، مجموعة الشرع الكنسي، ص. 887.

[6] راجع المرجع السابق، ص. 889.

[7] Cf. SALACHAS D., Il diritto canonico delle chiese orientali nel primo millennio, Bologna 1997, p. 274.

[8] راجع حنانيا الياس كسّاب، مجموعة الشرع الكنسي، ص. 891.

[9] راجع المرجع السابق، ص. 895.

[10] راجع المرجع السابق، ص. 897.

[11] “Da questi testi risulta chiaramente che l’uomo colpevole di adulterio, se si risposa, deve fare penitenza per sette anni prima di essere ammesso alla piena comunione dei fedeli. Il coniuge innocente invece è degno di perdono, per cui, in virtù della consuetudine antica, non vengono applicate le pene canoniche stabilite per gli adulteri. Da questi testi non risulta però che la Chiesa abbia autorizzato nuovo matrimonio ai divorziati con riferimento alla clausola di Matteo 19, 9”. Cf. PRADER J., Il Matrimonio in Oriente e in Occidente, 23.

[12] “Sembrerebbe, invece, dai suddettin testi, che san Basilio, tenendo conto della consuetudine prevalsa, ammetta l’adulterio come motivo di divorzio e la possibilità di un nuovo matrimonio”. Cf. SALACHAS D., Il diritto canonico delle chiese orientali nel primo millennio, 275.

[13] راجع المجلس الحبري للعائلة، معجم، بالتعابير الملتبسة والمتنازع عليها حول الأسرة والحياة والقضايا الأخلاقية، ص.622.

[14] Cf. SALACHAS, D., Il Sacramento del matrimonio nel Nuovo Diritto…37.

[15] راجع حنانيا الياس كسّاب، مجموعة الشرع الكنسي، ص. 893.

[16] Cf. SALACHAS, D., “Il principio di OIKONOMIA e di AKRIBEIA nella Chiesa ortodossa”, Oriente Cristiano, XII, 1972, n. 3, 102-104.

[17] “La grande maggioranza degli autori riserva il concetto di oikonomia alle disposizioni disciplinari emanate da una autorità legittima, grazie alle quali, in una maniera provvisoria ed eccezionale, si permette di non osservare una legge stabilita da una autorit’ superiore, e inderogabile da una inferiore, con il fine di salvaguardare un bene comune, mantenere la pace nella Chiesa, l’unità, la symphonia tra il potere civile e il potere ecclesiastico,…il bene dell’ecumenismo o la collaborazione internazionale dei cristiani”. Cf. ŽUŽEK, I., L’économie dans les travaux de la Commission Pontificale pour la révision du Code de droit Canonique oriental, in AA. VV., Oikonomia Mischehen, « Kanon VI », Vienna 1983, 67-83.

الأب د. ريمون جرجس
زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).