الخوري ميلاد مخلوف: بلدتنا تضج بالرجاء رغم الأزمات
رئيس اتحاد بلديات الجبة: لقاؤنا صورة مصغرة للبنان الذي نطمح إليه
البطريرك الراعي ترأّس قداس عيد مار شربل في بقاعكفرا: لا يحقّ لأيّ فئة
لا أمس ولا اليوم ولا غدًا أن تنصّب نفسها محلّ جميع المرجعيّات الدستوريّة
أحيت رعيّة بقاعكفرا مسقط رأس مار شربل ، في إطار احتفالاتها بعيد قديسها وقديس لبنان المستمرة منذ السبت 9 تموز، يوم صلاة من أجل السلام في لبنان ليلة العيد السبت 16 تموز، توّج بقدّاس احتفالي في دير مار حوشب- بقاعكفرا، مدرسة القديس شربل ترأّسه صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكلّيّ الطوبى، يعاونه النائب البطريركي العام على منطقة جبة بشري وزغرتا سيادة المطران جوزف نفاع، النائب البطريركي العام سيادة المطران حنا علوان، وخادم الرعية الخوري ميلاد مخلوف، وبمشاركة رئيس مزار سيدة لبنان الأب فادي تابت ، بالإضافة إلى لفيف من الكهنة، بينهم كهنة بقاعكفرا، وبحضور فاعليات المنطقة، وعلى رأسهم النائب ستريدا جعجع والنائب السابق جوزف اسحق ورئيس اتحاد بلديات الجبة وبلدية بقاعكفرا إيلي مخلوف وعدد من الإعلاميين وحشد من المؤمنين والزوار. خدم الذبيحة الإلهية جوقة بقاعكفرا بقيادة الأستاذ شهيد سليمان.
الخوري ميلاد مخلوف
في مستهلّ القداس، رحّب كاهن الرعية الخوري ميلاد مخلوف بالحاضرين الذين غصّت بهم باحة الدير، وقال:”رغم الظروف المؤلمة، والأزمة المستشرية، تجد بقاعكفرا نفسها تعجّ بالرجاء، بحضور صاحب الغبطة، بطريرك الحياد، حامي الإستقلال، حارس الحقيقة، الأمين على تاريخ البطريركية المارونية وكاتب مستقبلها بحروف من نور، فأهلا وسهلا بالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق الكلّيّ الطوبى، أهلا وسهلا بكم بين أبنائكم نسمع صوتكم ونحفظ الوصية. نرحب بضيوفكم الكرام صاحب السيادة المطران جوزف نفاع النائب البطريركي العام على منطقة الجبة وزغرتا السامي الإحترام، أصحاب السيادة، رؤساء الأديار الكهنة الأجلّاء والراهبات الفاضلات. نرحب معكم بالفاعليات السياسية وعلى رأسها النائب ستريدا جعجع المحترمة والنائب السابق الأستاذ جوزف اسحق وكل الفاعليلت العسكرية والمدنية المحترمين. نرحب معكم بكل الوافدين من كل لبنان للصلاة من أجل لبنان والسلام في لبنان، وبخاصة مستمعي “سات 6″ و”أغاني أغاني” وألف تحية وشكر للإعلامي شربل سعادة. نرحب بالفريق التقني والتنظيمي الذي يرافقه. ومعكم يا صاحب الغبطة نشكر كل المحطات الإعلامية التي تنقل القداس مباشرة على رأسهم تيلي لوميير نورسات ونور الشباب، LBC MTV OTV تلفزيون لبنان، صوت لبنان صوت وصورة، صوت المحبة، إذاعة لبنان وإذاعة لبنان الحر. نشكر كل المساهمين معنا والعاملين معنا، وعلى رأسهم اتحاد بلديات جبة بشري، رئيس إتحاد بلديات جبة بشري السيد إيلي مخلوف المحترم، وبلدية بقاعكفرا، أعضاءها، مخاتير بلدة بقاعكفرا، مكتب القوات اللبنانية، كل الحركات الرسولية، أخوية مار شربل، أخوية العذراء، الحركة الرسولية المريمية، جمعية أرض، وطبعا لجنة وقف بقاعكفرا، شبيبة كاريتاس، الذين يرافقوننا سنة وراء سنة. نرحب برئيس مكتب كاريتاس في منطقة الجبة واللجنة، نرحب بالمنسق العام لشبيبة كاريتاس لبنان السيد بيتر محفوظ المحترم.أهلا وسهلا بكم، قداس مقبول ومار شربل يحمينا جميعا. أهلا وسهلا بالجميع مستمعين ومشاهدين في لبنان وكل العالم…”
غبطة البطريرك الراعي
وفي عظته للمناسبة، قال غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي:
“حينئذٍ يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (متى 13: 43).
القدّيس شربل هو زرع جيّد زرعه المسيح في حقل العالم: في بقاعكفرا العزيزة بلدته، في الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الجليلة، في الكنيسة المارونيّة ولبنان والعالم. إنّه من “الأبرار الذين يتلألؤون كالشمس في ملكوت الآب” (متى 13: 43).
فلنطلب شفاعته لكي ندرك أنّ المسيح الإله جعلنا، بحكم المعموديّة والميرون، أبناء الملكوت، أي الكنيسة، وزرعنا زرعًا جيّدًا في حقل هذا العالم لنعطي ثمار الإنجيل. فلنكن متنبّهين لئلّا يحوّلنا الشيطان بحيله إلى زؤان آخرته الحريق.
يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، ونحيي عيد القدّيس شربل في بلدته بقاعكفرا العزيزة، حيثُ وُلد وتربّى وسمع النداء الإلهيّ لتكريس الذات لله في الحياة الرهبانيّة.
أجل، زرعه المسيح-إبن الإنسان- أوّلًا في بقاعكفرا بلدته. فكان فيها زرعًا جيّدًا بفضل تربيته في البيت الوالديّ. فنشأ صالحًا، تقيًّا ومُحبًّا للإماتات والتقشّف. كان ذلك نتيجة لما دخل قلبه في طفولته من مبادئ وتقاليد وقيم تعلّمها من محيطه العائليّ، ومن مثل خاليه دانيال وأغسطين المتنسّكين في الوادي المقدّس.
وفيما كان يرعى المواشي، وهو ابن عشر سنوات، كان ينصرف إلى الصلاة والتأمّل، سواء في السهل، أم تحت الشجرة، أم في المغارة التي تسمّى منذ ذلك الحين “مغارة القدّيس”. هناك كان يخشع للصلاة أمام أيقونة العذراء.
وزرعه المسيح زرعًا جيّدًا في الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة التي دخلها سنة 1851، وهو بعمر 23 سنة، في دير ميفوق، ثمّ انتقل منه إلى دير مار مارون عنايا. لبس في تلك السنة ثوب الإبتداء واتّخذ اسم شربل، بدلًا من يوسف إسمه الأصليّ، وهو إسم شهيد، استشهد من أجل إيمانه سنة 107، أراد أن يتمثّل بهذا القدّيس ليعيش شهيدًا من نوع آخر. عندما أبرز في أوّل تشرين الثاني 1853، نذوره الرهبانيّة الثلاثة: الطاعة والعفّة والفقر، قرّر في نفسه أن يكون هبة كاملة لله وللكنيسة وللرهبانيّة، صانعًا من نفسه ذبيحة مرضيّة لله. فخرج من الاحتفال لابسًا من جديد ثوب المعموديّة. وعاش دائمًا في جدّة الحياة بحسب تعليم بولس الرسول (راجع روما 6: 4).
وعندما انتقل إلى دير القديسين قبريانوس ويوستينا في كفيفان، تهيّأ للكهنوت بالدروس الفلسفيّة واللاهوتّة، على يد القدّيس الأب نعمةالله الحرديني. فكان الأب نعمةالله قدّام الأخ شربل المثال الأعلى في الرهبانيّة إذ كان يعلّم الإلهيّات ويعيشها فضائل روحيّة وأخلاقيّة.
إرتسم كاهنًا في 23 تمّوز 1859 في كنيسة الكرسيّ البطريركيّ في بكركي. منذ ذلك الحين راح يجعل القدّاس الإلهيّ محور كلّ النهار. عاد للتوّ بعد رسامته الكهنوتيّة إلى دير مار مارون عنّايا، حيث عاش 16 سنة، قبل دخوله نهائيًّا إلى محبسة مار بطرس وبولس، على قمّة عنايا. تلألأ الأب شربل في دير عنّايا بكمال الفضائل الإنجيليّة: طاعة أسطوريّة، فقر كامل، عفّة ملائكيّة. وكان رجل صمت وصلاة وعمل، وخادمًا أمينًا محبًّا للجميع.
دخل المحبسة في 15 شباط 1875، فاستكمل فيها استشهاده الروحيّ الكامل على مدى 23 سنة. فأصبحت قمّة عنّايا، على علوّ 1350 مترًا عن سطح البحر، جبل الجلجلة بالنسبة إليه. سلّم ذاته بالكليّة لله، منشغلًا في عيش الإتحاد الكامل مع الله، ما جعله يحمل في صلاته الكنيسة ولبنان والعالم بأسره. وعندما حانت ساعة أجله، أصابه فالج أوقعه على المذبح، وهو يرفع بين يديه جسد الربّ ودمه، في ذبيحة القدّاس، ويصلّي: “يا أبا الحقّ، هوذا ابنك ذبيحةً ترضيك”. وكأنّه تماهى بشخص الذبيح ابن الله. وبعد نزاع دام أسبوعًا، طارت روحه إلى السماء، في 24 كانون الأوّل 1898 ليلة ميلاد الربّ يسوع على أرضنا، فكان ميلاده في السماء حيث يتلألأ كالشمس في ملكوت الآب”(متى 13: 43).
في الواقع ظلّ أهل عنّايا يشاهدون، على مدى أسبوع، ضوءًا مشعًّا يخرج من قبره يلمع على حائط الكنيسة الشرقيّ المحاذي للقبر.
نحن هنا في بقاعكفرا على مشارف وادي القدّيسين، حيث عاش بطاركتنا في دير قنّوبين طيلة أربعماية سنة في عهد العثمانيّين، حفاظًا على الإيمان الكاثوليكي، والحريّة، والإستقلاليّة، وكانوا يهيّئون مع شعبهم ولادَة لبنان: العيش معًا، والتعدّديّة الدينيّة والثقافيّة، والحريّات المدنيّة العامّة، وفصل الدين عن الدولة، والنظام البرلمانيّ الديمقراطيّ، وسيادة القرار، وأرض التلاقي والشراكة والحوار.
لقد نذر البطاركة أنفسهم من البداية إلى الآن للدفاع عن لبنان. فصمدنا طوالَ قرنٍ ونيفٍ في وجهِ التشكيكِ في كيانِ لبنان المميَّزِ في هذا الشرقِ والعالم. قَدّمنا كلَّ التضحياتِ من أجلِ إنجاحِ هذه التجربةِ العظيمة. ولَكَم أرَدنا اعتبارَ الأزَماتِ الكبرى السياسيّةِ والعسكريّةِ التي عَصفت بلبنان طوالَ تلك المدّة جُزءًا من الامتحاناتِ التي تَتعرّضُ لها الشعوبُ في مسيرةِ بناءِ أوطانِها ودولِـها، ولا بد من أن تَنتهيَ وتصمد الوِحدةُ ويَسودَ السلامُ وينتصر اهل هذه الارض . وراهنّا على إرادةِ اللبنانيّين لتخطّي هذه المحن وتوظيفِها في مشروعِ الدولة.
ولكن لا يستطيعُ اللبنانيّون أن يعيشوا في مدارِ الأزَماتِ والحروبِ بشكلٍّ دوريٍّ ودائم، ولا أن تبقى أرضُهم ساحةَ تصفيةِ الحساباتِ وتلاقي الصراعات عوضَ تلاقي الثقافاتِ والحضاراتِ والأديان. ويؤسفُنا أنَّ تجاهَ إرادةِ الشراكةِ الوطنيّةِ نرى إرادةً معاكِسةً تَضرُب عُرضَ الحائط بكلِّ ما بُني بعرقِ الجبين ودماءِ الشهداء ونضالِ الآباء والأجداد، وبكلِّ ما يُمثّل لبنانَ من حضارة وثقافة وهُويّةٍ ورسالة. فلا يَحِقُّ لأيِّ فئةٍ، لا أمسَ ولا اليومَ ولا غدًا، أن تُنصِّبَ نفسَها محلَّ جميعِ المرجعيّاتِ الدستوريّةِ وجميعِ المكوِّنات اللبنانيّة وتُقرّرَ مصيرَ لبنان.
رغم كلّ ذلك، لم نَفقِد الأملَ من تجاوزِ هذه التجاربِ الوجوديّة، وندعو جميعَ الأطرافِ أيًّا كان موقِعُهم السياسيُّ والعقائديُّ والدينيُّ إلى تَعليق خلافاتِهم وتركيزِ جُهودِهم على إيجادِ الحلولِ الموضوعيّة، وإلى وضعِ مصلحةِ لبنان أوّلًا، وتسهيلِ تأليفِ حكومةٍ وانتخابِ رئيسِ جديد للجمهوريّة ضمن المهلةِ الدستوريّة.
إن الإبقاءَ على الحكومةِ المستقيلةِ خِيارٌ محفوفٌ بالخطر. فهذه الحكومةُ تبقى حكومةَ تصريفِ أعمالٍ حتى لو انتقلت إليها صلاحيّاتُ رئيسِ الجُمهوريّةِ في حالِ حصولِ شغورٍ رئاسيّ، لا سمح الله! ونظريّةُ الضروراتِ تُبيح المحظوراتِ تفتح أبوابًا خطرة. فكفّوا أيّها المسؤولون السياسيون عن مخالفة الدستور، وشكّلوا حكومة جديدة فعّالة، وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة جديدًا، قادرًا على احتضانِ جميعِ اللبنانيّين، وعلى التواصلِ مع جميع القوى بروحٍ إيجابيّةٍ وميثاقيّةٍ ليتمكّنَ من معالجةِ القضايا المطروحةِ بواقعيّةٍ وعمقٍ بما يتلاءمُ مع سيادةِ الدولةِ ومنطوقِ الدستورِ والأمنِ القوميّ والتزاماتِ لبنان.
إنّنا نضع هذه الأمنيات في عهدة القدّيس شربل، حبيب الله، لكي يرفعها إلى العرش الإلهيّ، ويستمدّ منه خلاص لبنان وطنه. ومعه ومع أمّنا مريم العذراء والقدّيسين نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد آمين.
رئيس بلدية بقاعكفرا
وفي ختام القدّاس، ألقى رئيس بلدية بقاعكفرا السيد إيلي مخلوف كلمة قال فيها: “لقد رافقتنا شفاعة قديسنا المعروف بفرح الأرض والسماء، طوال مسيرتنا البشرية، فأشاعت روح المصالحة والسلام في قلوبنا وعمّقت إيماننا بالله وبلبنان… وأقامت فوق هذه الأرض حياة فريدة قوامها الفقر والصلاة… فقال البطريرك المكرّم إسطفان الدويهي في وصفه هذه الظاهرة الفريدة: “إنّ أبناء هذه الأرض يعتقدون أنّ لا أحد من خلق الله بإمكانه أن يصل إليهم.” إنّ هذه الكلمات تختصر روحانية القديس شربل…” وأضاف: ” في كل مرة كانت الأخطار تهدد وطننا وطن الرسالة، كانت البطريركية المارونية تتصدى لهذه الأخطار، وتقوى عليها بقيادة بطاركتها وبتضحيات أبنائها جميعا، وبشفاعة قديسيهم لدى الله، فيحفظ لبنان أرض القداسة…”
وتابع متوجها إلى غبطة البطريرك: “إنكم تكملون رسالة البطاركة الموارنة الوطنية التاريخية، التي انطلقت من سعيكم إلى حماية “قطيعكم الصغير” وتحقيق طموحه التاريخي إلى وطن سيد، حر، مستقل…” وختم مخلوف: “إننا بهذه الآمال المشفوعة بصلاة الرجاء بالله، نكرر الترحيب بكم جميعا فردا فردا… يجمعكم عيد مار شربل حول غبطة البطريرك الرأس والأب في صورة مصغرة لما نطمح أن تكون عليه صورة لبنان دائما، صورة اللقاء والتضامن والوحدة، صورة السلام الذي يضمن المستقبل.”
وكان قد سبق الذبيحة الإلهية مسيرة أبو دقوشتو التي انطلقت سيرا على الأقدام من الديمان وحدشيت، لتلتقي مع مسيرة للزوار الوافدين من مختلف المناطق اللبنانية، انطلقت من كنيسة السيدة، حيث اتحدا في مسيرة واحدة وصولا إلى دير مار حوشب، تحت عنوان “يوم الصلاة من أجل السلام في لبنان.”
وبقاعكفرا على موعد الأحد 17 تموز في ختام الإحتفالات، مع يوم حافل بالصلوات والقداديس، يختتم بقداس العيد الساعة 10 صباحا على نية المكرّسين والمغتربين من أبناء الرعية. وكان أسبوع الإحتفالات قد شهد سلسلة محطات ومسيرات ولقاءات روحية مع جماعات ورعايا مصليّة، بالإضافة إلى قداديس وزياحات وساعات سجود للقربان المقدس وريستال للمرنمة جومانا مدور، وكذلك محطات إحتفالية كالعرس القروي والعشاء القروي.
يذكر أن الرعية تواصل إقامة صلاة مسبحة مار شربل والطلبة والزياح، يوميا الساعة 4:30 في كنيسة السيدة طوال شهر تموز.
يا شربل صلّ عنّا…
رعيّة بقاعكفرا
المكتب الإعلامي